مسرحية: "الملح الفاسد"
أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟ - (المسيح)
نبيـــل عـــودة
نظرة من الداخل
المنظر مكون من ساحة واسعة وفي صدر المسرح بناية ضخمة بها مدخل فخم يشبه مداخل الكنائس أو الجوامع او ما يجمع بينهما... وفوقه رسمت كل الرموز الدينية المعروفة كالمسيحية والإسلامية واليهودية والبهائية بتشابك سريالي.
البناية تتكون من عدد كبير من النوافذ، والمقصود بها – الدير (تسمية مجازية).
ربع الدير مدهون بالأبيض، وثلاثة أرباعه مدهون بالأسود، يستحسن أن يكون باب الدير في المنطقة الفاصلة بين اللونين، بحيث يكون نصفه أسود، ونصفه الآخر أبيض.
لباس شخصيات المسرحية، ولنتفق علي تسميتهم بالرهبان... المفروض أن لا يحمل صفة دينية مميزة له، تشبه "الجلابية المصرية".
أما شخصيات المسرحية - ولنسميهم مجازا- الرهبان .... فيقرر عددهم المخرج. لا فرق بين راهب وآخر، حتى الأسماء والمميزات الشخصية لا ضرورة لها، المميز الوحيد المطلوب بين رهبان سود ورهبان بيض، والمقصود برهبان سود، أنهم رهبان "محليون" يرتدون الثوب الأسود كمميز لهم، ورمز "المحلي" هنا عام وشامل، بحيث يحوي كل شعب في وطنه، أما الرهبان البيض، فهم الرهبان الأجانب، ويرتدون الثوب الأبيض كمميز لهم. ورمز الأجانب هنا، هو الآخر عام وشامل، بحيث يشمل كل أمة تفرض نفسها على أمة أخرى، بكل الأشكال المعروفة في التاريخ، القديم أو الحديث...
وهناك ثلاث شخصيات مميزة فقط، وهي:
1- رئيس الدير، ويميزه ثوبه الرمادي.
2- المساعدة السوداء، ويميزها ثوبها الأسود بنقاطه الرمادية.
3- المساعدة البيضاء، ويميزها ثوبها الأبيض بنقاطه الرمادية.
الحالة الأولى – دوامة
(الضوء خافت... شبح لراهب أسود يلوح من زاوية المسرح. يقف وظهره منحن قليلاً، ويداه متشابكتان ومرتخيتان فوق بطنه، ومع تقديمه لدوره يحركهما حسب ما يقتضيه الموقف).
الراهب الأسود – (بعد أن يصل لمقدمة المسرح، ويجيل نظره في الجمهور) –
كلهم نائمون.. أما أنا فلم أستطع النوم.
استسلموا لسلطان الكرى.
أيها السادة.. مساء الخير.
آه... المعذرة.
بعد قليل يبزغ الفجر.
ولكن... يا للسخرية!!
بينما الوقت عندكم هو العشية،
فالوقت عندنا هو الفجر.
ما الفرق؟
الليل والفجر في حياتي متساويان
فأنا يا سادة أخدم الرب.
أوقفت حياتي على خدمته..
سعادتي من سعادته..
وبؤسي لا يكون إلا بأمره.
والرب عينه ساهرة لا تنام.
يخدم كل الناس...
يحب كل الناس بنفس القدر،
ولا يميز بين أبنائه...
ونحن... خدامه،
رافعي كلمته للأعالي،
محافظين على قدسية أسمه..
ناشري مجده بين الناس..
نحن.. المهللين لمجده،
لنا منزلة خاصة في ملكوته.
هذا ما تعلمناه وورثناه.
الرب يحنو على خدامه،
لهم في قلبه حب خاص..
ولهم ملكوته في السموات،
حيث السعادة والفرح الأبديين..
حيث لا موت...
وإنما حياة أبدية..
آه لعذاب قلبي وضميري
(بصوت حاد)
يا سادة...
رغم ذلك أنا قلق
ممزق الفكر..
مشغول البال،
معذب الضمير،
تائه في البرية..
خائف من الوحوش المفترسة.
مرتعب من الذئاب...
أعرف ما أريد، ولا أعرف كيف.
أدري ما أنا به، وأتردد في القرار..
أنوء تحت ثقل المعاناة.
أفتقد الأمل،
أفتقد السعادة.
أفتقد أحياناً الرغبة في الحياة.
مغلوب على أمري.
مذل.
مهان.
أشرب كؤوس الذل مع إشراقه كل شمس،
أمتلئ بالمهانة قبل أن تمتلئ معدتي بالطعام.
لا أشرب فأرتوي،
ولا آكل فأشبع
دائم العطش،
ممتد الجوع.
هل الصمت على ما نحن به هي طريق أبناء الرب المخلصين؟
هل الانفجار والرفض كفر وحرام؟
ترى، ماذا يريد الرب منها؟
وهل حقاً نخطر على باله؟
يا الهي لطفك
عفوك يا غفور.
تلطف بعبدك وهبه من لدنك راحة.
لا تضيع شقانا وتعب السنين
هبنا شيء من الأمل.
يا غفور..
يا من تكون...
أناديك من أعماق الحيرة والخوف.
أبتهل إليك من كابوس الضياع الرهيب...
قد لا تكون أنت، هو أنت نفسك؟
من يعلم.؟
(ينظر نحو الجمهور برهة: )
قد لا يكون ربي هو نفس الرب الذي تعبدون
وعالمي ليس عالمكم؟
أنا حائر وتائه،
متردد ومتشكك
خائف.. مرتعب،
هل نحن من نفس الزمن
هل يجمع بيننا نفس المكان؟
هل معاناتي هي لبنة من معاناتكم؟
(يرفع يديه للسماء)
هبني لحظة تجلي.
أرى ما وراء الأقنعة.
أكشف ما خفي علي أمره.
أصل للحقيقة الساطعة المجلجلة
يستقر يقيني...
يترسخ إيماني..
أبوح بما في صدري دون خوف.
يا الهي...
أنا لم أحب غيرك منذ فتحت عيني على هذه الفانية.
ولك كرست حياتي ومماتي.
ها أنا بعد أن بلغت أرذل العمر..
يعد أن بعثرت عمري بين جدران هذا الدير...
ها أنا أعيش حيرتي ومأساتي
ترددي ووجلي.
ضياع مجلجل.
يقين مهزوز.
لا أستطيع النوم.
لا أجد للاستقرار سبيلا.
يتخلى عني الهدوء والاطمئنان
تهجرني الثقة
أشتهي الأمل والسعادة
أحن للإيمان وأفتقده
كل ما هنالك كلمة واحدة مدوية
مرعبة بقدر كبير
الشك!!!
(فترة صمت يتابع بعدها بصوت مرتفع)
أيها السادة...
أنا أشك
أشك بحقيقة الأشياء،
أشك بحقيقة الوجود...
أشك بأصل الإنسان.
أشك بأصل الدنيا.
(بصوت قوي جدا)
أنا يا سادة أشك حتى بالرب.
(يضاء المسرح بقوة للحظات، يرتبك الراهب، ويسرع متسللاً من جانب المسرح، الضوء يخفت تدريجياً، ولكنه يبقى أقوى من السابق، يفتح باب الدير ويخرج الرئيس وآثار النعاس بادية على وجهه).
الرئيس - أتراني أسمع أصواتاً شريرة؟
أم هي مؤامرة تحاك في منتصف الليل؟
المساعدتان- (من الخارج- أي من داخل الدير)
- نور سماوي ظهر للرئيس.
- هي النبؤة يا أختي.
يمنحها الرب لأخلص أبنائه.
- يا لها من ليلة عظيمة..
(تدخلان)
الرئيس: - ما الذي أيقظكما...؟
فأمامنا حتى الفجر ثلاث ساعات.
المساعدة السوداء- منحنا الرب شرف الشهادة على نزول النبؤة عليك.
المساعدة البيضاء- لتنقلها للأجيال القادمة.
ليعرف عنها القاصي والداني.
لتجلجل في رحاب الأرض.
أنه ليوم عظيم...
السوداء - ولولا ذلك لما استيقظنا.
البيضاء - لقد كنت في نوم عميق... عندما هزتني أختي..
كانت مرتعبة...
وقالت أنها شاهدت شبحاً يتحرك بين الغرف.
السوداء - أجل أيها الأب المبجل.
لقد خفنا أن يأتيك على حين غرة.
فيغدر بك.
فقلنا نأتي لإيقاظك.
حتى تقف له بالمرصاد،
وتهزمه بقوة إيمانك
وتنزل عليه لعنات الرب...
فيحترق.
البيضاء - وتخرج روحه الشريرة من ديرنا المقدس.
السوداء - والآن أيها الأب المكلل بالقداسة والمجد،
أطلب لنا المغفرة...
فنحن لشدة حماقتنا..
اعتقدنا النور الرباني روحاً شريرة.
البيضاء- (ناظرة للسماء)
سامحنا أيها الأب على خطيئتنا.
أغفر لنا زلاتنا.
الرئيس- الرب راضي عنكما..
ما دمتما في خدمته...
وتنفذان مشيئته...
كفاكما ثرثرة..
لقد أفسدتما علي خلوتي مع الرب.
الغفران، الغفران نطلب يا إلهي.
(المساعدتان تجفلان برهبة)
الرئيس- (يواصل) أما أنتما يا أختي بالرب.
فأنا لست بغاضب عليكما، بل أبارككما باسمه.
وباسمه أمسح ما ارتكبتما من ذنوب.
(ينظر نحو السماء)
باركهما...باركهما... يا رب!!
(المساعدتان تلثمان يده واحدة بعد الأخرى بخشوع)
السوداء- شكراً أيها الأب.
البيضاء- شكراً جزيلاً..
(تخرجان)
الرئيس- (بعد تفكير)
نور سماوي ظهر لي؟
أو هي النبؤة يمنحا الرب لأخلص أبنائه..؟
يا لها من فكرة هائلة؟
لا شك أنها فكرة ربانية؟
أليس الهدف هو خدمة الرب، وإعلاء شأنه؟
ترسيخ ملكوته؟
تبجيل اسمه؟
نشر نوره؟
انتصار كلمته؟
لا شك في ذلك
(يسير ويفكر، يقف قليلاً . يتأمل الجمهور بتمعن)
الرئيس- (يواصل) خطواتي أذن مباركة باسمه؟
من يدري؟
ربما يكون ذلك أسلوبه في إعلاء الأنبياء.
وبعث الرسل؟
من يعلم؟!
ولكن من يستطيع أن ينكر؟
(يواصل النظر نحو الجمهور)
أما أنتم.. فلن أخاف منكم أبداً على هذا السر.
أستطيع أن أقول بثقة كاملة،
إن الحقيقة لم تعد تجدي نفعا.
باستطاعتكم أن تعلنوا الحقيقة كيفما شئتم.
أن تنشروها بصحافتكم.
أن تتبادلوها مع تهاني الأعياد..
أو مع التعازي!!
تستطيعون أن تتراشقوها بمدافعكم.
أصرخوا في وجه الدنيا أنكم تعلمون الحقيقة.
أنا أبشركم مسبقاً.
الحقيقة لم تعد تجدي نفعاً.
ألم تعتادوا على نقيضها..؟!
واصلوا الصمت.. واصلوا الصمت
هذا أفضل لكم..
ها أنا أقف أمام عالمكم الصاخب.
لم أمانع من الوقوف أمامكم.
لتسمعوا وتروا..
بالنسبة لكم هي حكاية..
قد تعجبكم، وقد لا تعجبكم..!
أما الحقيقة...
(يصمت، إذ يبدأ عد كبير من الرهبان السود
والبيض في الدخول للمسرح، الهمس يعلو وينخفض،
السود يتشاورون فيما بينهم..).
رهبان سود وبيض- نبؤه..
الرب ظهر..
نور سماوي..
الرب...
بينما كنا هاجعين..
كان صوتًا غريباً..
شاهدنا..
نور ساطع..
نحن عبيدك يا رب.
تحدث معه..
بينما الكل نيام..
المساعدتان..
أمر عظيم..
حكمة لله..
رب تمم بخير،
نور عظيم،
عجيبة..
يوم له ما بعده
كان صوتاً قوياً..
جلجل حديث الرب
استيقظتا..
كان في خلوة..
نوره دليل..
يا للفرح والسعادة..
الرئيس- ما الذي أيقظكم يا أبنائي؟
فأمامنا حتى الفجر وقت طويل؟
راهب أبيض- ما هذا الذي سمعناه؟
نحن في حلم أم في حقيقة؟
الرئيس- أنتم مباركون باسم الرب،
ولكم محبته وملكوته.
راهب أسود – يخيل إلي أني سمعت صرخة،
وعندما فتحت عيني،
كان كل شيء هادئاً.
راهب أسود - في هذه البرية..
حيث يقوم ديرنا المقدس
معلياً كلمة الرب.
توجد عشرات الوحوش
ولكني، متوخياً للحقيقة – أقول،
إن ما سمعته،
لا يمت للغة لحيوان بصلة.
راهب أسود - كانت صرخة بشرية.
راهب أسود - صرخة طال احتباسها حتى تفجرت.
راهب أسود - نداء استغاثة من يائس.
راهب أسود- بل هي زفرة إنسان متألم.
يعرف من أين يأتيه الألم.
راهب أبيض - (للرئيس)
ما هذا الكفر الذي نسمع؟
وفي كنف الرب..
الرئيس- (شاحب الوجه)
ليت الرب قبض روحي،
قبل أن يصل لمسمعي مثل هذا الكلام.
راهب أبيض- رغم الحضارة التي نقلناها لإخواننا، أبناء هذا
الدير التعيس المتأخر.
رغم الحقيقة الربانية المتجلية، التي أضأنا
بنورها المشرق ليل أيامهم..
راهب سود - (مقطعا) وبها تنافسوننا على ديرنا وخيراتنا...
راهب أبيض- طوبى لناقلي نور الرب.
طوبى للضاربين بسيفه.
طوبى لمنفذي مشيئته.
طوبى لأفضل أبنائه، وأقربهم إلى قلبه.
راهب أبيض- طوبى لأبنائه المختارون.
الرئيس- (فاتحاً ذراعيه طالباً الصمت)
أسمعي أيتها السموات
وأصغي أيتها الأرض،
قال أشعيا النبي:
((ربيت بنين ونشأتهم،
أما هم فعصوا علي)).
نطلب لهم الصفح والغفران منك...
أيها العلي القدير،
راهب أبيض - سنكون لمشيئته أطوع من البنان.
راهب أبيض - وباسمه نغرز دعوته في القلوب الشريرة.
نطهرها من رجسها..
راهب أبيض - ننقذها من ضلالها
راهب بيض - ونجتث رؤوس الكفار
العاصين عن قبول كلام الرب..
وننفذ مشيئته.
راهب أبيض- لا نرهب ولا نرتد،
حتى نعلي شأنه في كل الأرض.
راهب أسود- نحن من أجل الرب.
غير أن الرب لا يحب إلا الحقيقة.
راهب أسود- الحقيقة الكاملة.
الساطعة كنور الشمس
في ظهر يوم تموزي.
راهب أبيض- هي لغة الخارجين عن إرادته
راهب أبيض- بل هو العصيان.
الرئيس- كفاكم نزاعاً يا أبنائي.
ألم يقل سيدنا:
((أحبوا بعضكم بعضاً؟))
إن ما أراه منكم، يجعلني عاجزاً عن الكلام
قبل الاختلاء بملكوته..
والصلاة له..
عن نفسي، وعن نفوسكم.. يا أبنائي.
عله يسامحنا..
يصفح عنا..
نحن المذنبون أبداً.
راهب أسود- سامحنا أيها الرب، إن كنا قد أخطأنا.
الرهبان السود- (سوية) سامحنا...
راهب أبيض- حتى الخطأ لا يعترفون به.
الرئيس- (متحركاً بين الرهبان)
يا أبنائي...
كفاكم نزاعاً.
الليلة قد حدث أمر عظيم.
بينما أنتم هاجعون.
لا تدرون من أمر دنياكم شيئاً.
زلزلت الأرض زلزالها،
ونور ساطع أضاء غرفتي.
مخترقاً جفني المسدلين.
باثاً الضوء في عيني..
فعرفت أنها مشيئة الرب...
فخررت ساجداً لنوره
(يصمت الرئيس... يخطو حتى يقف في وسط
المسرح... الرهبان يختلطون ببعض من كل الجوانب،
ولكن يبقى واضحاً أن الاختلاط لا يزيل وجود
جماعات سوداء وجماعات بيضاء. ويستحسن أن
يكون في وسط المسرح مسطبة علوها لا يزيد عن
نصف متر، ليقف فوقها الرئيس في الوقت الذي
يحيط به الرهبان).
الرئيس- مبارك أنت أيها الرب.
الجميع- مبارك.. مبارك أيها القدوس
الرئيس- أما أنتم يا أبنائي،
فالرب قد خصكم بقدسيته،
فبعث نوره في ديركم..
أنتم ملح الأرض،
ولكن إن فسد الملح يا أبنائي،
فبماذا يملح؟
إياكم والمعصية، إياكم والمعصية.
لا تدعو الشر يحتل مكان الإيمان في
عقولكم،
والنور في قلوبكم،
والاطمئنان في نفوسكم،
كونوا قلباً واحدا.
هكذا هتف بي نداء من عند الرب.
وقال، أطيعوني.. ولا تعصوا لي أمراً.
وقال، كونوا معي على أعدائي،
وأنتم يا أبنائي الذين رأيتم توهج النور في هذا
الدير...
في هذه البقعة المباركة.
أقول لكم ما قاله لي الصوت المقدس:
(( أحبو أعدائكم،
باركوا لأعينكم،
أحسنوا إلى مبغضيكم،
وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم،
لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات)).
راهب أبيض- صدق الله العظيم.
الرهبان البيض- صدق الله العظيم
(الرهبان السود يتشاورون)
الرئيس- لنصل على شرف الرب
الذي بعث نوره في ديرنا
رمزاً للخير...
والمستقبل النير...
رمزاً للمحبة
والغفران الشامل
لخطايانا وخطايا البشر.
(يواصل الصلاة بصوت غير مسموع)
(راهبان أسودان يقفان في جنب المسرح، ويتبادلان
الحديث بصوت منخفض، ويدور بينهما الحوار التالي):
الأول- رئيسنا يكذب
الثاني- مغفرتك يا رب
الأول- الرب في القلوب
أما الكذب فلا يمت للرب بصلة
الثاني- كلامك شرك خطير،
مصيره جهنم وبئس المصير.
الأول- وهل حالنا أحسن من حال جهنم؟
الثاني- كلامك يخيفني.
وما يتستر وراء الكلام مخيف أكثر.
المغفرة يا إلهي
أرحمنا بمحبتك
الأول- ستصلون لمعنى كلامي عاجلاً أم آجلاً
والأفضل عاجلاً
عندها تنتهي معاناتنا
أما استمرار الصمت
وبقاء الحال على هذا المنوال
فهو الكارثة بعينها.
الثاني- نجنا يا رب من الشرير
خذ عنا الشيطان..
وطهر قلوبنا.
خلصنا من الخطيئة
أبعد عنا إغرائها...
ومدنا بيقين الإيمان..
ولا ترمنا بالتجربة..
الأول- الخوف صفة لا يحبها الرب بالإنسان
الثاني- بدون الخوف نخطئ..
والخطيئة لا تليق بأبناء الرب
الأول- السكوت على الظلم..
خطيئة..
الصمت على الألم..
خطيئة..
الخضوع لنزوات الآخرين
خطيئة..
كان الدير لنا، فأصبح لهم.
كانت الأرض لنا، فأصبحت لهم.
كانت الحرية لنا، فأصبحت لهم.
كن رؤساء أنفسنا، فأصبحنا مرؤوسين.
فأي خطيئة نرتكبها إذا ما تحركتا لاستعادة
حقنا أو بعضه...؟
أليس التنازل عن الحق خطيئة؟
أليس الصمت عن الذل خطيئة؟
أليس قبول الهوان خطيئة؟
الثاني- ربما تكون هي مشيأتة في علاه.
الأول- وهل أحببنا الرب لأنه يظلم؟
الثاني- بل يساعد المظلوم!!!
الأول- وهل أحببنا الرب لأنه لا يستمع لصراخ المعذبين والمساكين؟
الثاني- بل ينصرهم!!!
الأول- تماماً ما تقول... فلماذا الرب الذي عرفناه هنا
يظلم المظلوم؟
ينصر المعتدي؟
يعطي للظالم ما لا يستحقه؟
يهب السارق أضعاف سرقته؟
أصم الأذنين؟
أعمى العينين؟
أي رب ذلك يكون ؟!
الثاني- أنت تدعي أمور رهيبة.
الأول- بل هي الحقيقة...
عشتها أنت والآخرون..
ولا أنكر أنها رهيبة.
إذا ما اخترقت الأعماق بإشعاعها المضيء.
حتى الحب الذي يدعونا إليه الرئيس، هو حب
من جانب واحد.
حب المغلوب على أمره للذي غلبه،
حب المهزوم لهازمه،
أي طعم يكون لهذا الحب؟
الرئيس- (ينهي صلاته)
صدق الله العظيم
البيض وجزء من السود- آمين.
(ينزل رئيس الدير، ويخرج)
راهب أبيض- الحق لا يعلو عليه أحد، أيها الأخوة، لأنه
حق الرب.
راهب أبيض- الرب يأخذ والرب يعطي.
راهب أبيض- مباركة مشيئة الرب.
راهب أبيض- هللويا.. هللويا.
راهب أبيض- بيده الفرح والمسرة.
راهب أبيض- هللويا ... هللويا.
راهب أبيض- أخلص أبنائه، أحق بمسرة الرب وفرحه.
راهب أبيض- قدوس... قدوس
ليكن اسمه مباركاً.
راهب أبيض- وبالروح والحق ينبغي أن نسجد له.
راهب أبيض- قال الرب ليشوع: ((لا تخف ولا ترتعب)).
راهب أبيض- لنقم مذبحاً للرب إلهنا.
لنمجد اسمه دوماً.
راهب أبيض- نمجده مع إطلالة كل فجر.
راهب أبيض- نمجده في كل زمن،
وفي كل وقت،
حتى يتحقق وعده
وتحل إرادته.
مجموعة رهبان بيض - هللويا ... هللويا... مقدس أسم الرب.
راهب أبيض- مباركة إرادة الرب.
راهب أبيض- مباركة ملكوت الرب.
مجموعة رهبان بيض- هللويا.. هللويا.. مباركة ملكوت الرب.
راهب أسود- أنتم يا أخوتي تكثرون من استعمال كلمة الرب
في أقوالكم. أما أفعالكم فبعيدة عن الصفات الربانية.
راهب أبيض- تتهمنا بالزندقة؟
راهب أبيض- تفو على الشيطان.
راهب أبيض- تفو على الوسواس الخناس.
راهب أبيض- نحن أخلص أبناء الرب ومجددي مجده.
راهب أبيض- هذه تهمة خطيرة،
بأي حق تنكرون علينا إيماننا؟
راهب أبيض- كلامكم يخفي ما في الصدر من نوايا.
راهب أبيض- هلموا أيها الأخوة نرفع الأمر للرئيس
ليكشف النوايا السيئة
ويزهق الباطل،
إن الباطل زهوق دوماً.
راهب أبيض- ليعلم سيدنا أي منزلق ينزلقون.
راهب أبيض- الرئيس الآن في خلوة،
يفكر بما بعثه الرب من إشارة
عبر توهج نوره إلى ديرنا المقدس..
راهب أبيض- ولكن الأمر خطير،
والنفوس ملأى باللؤم
والنوايا خطيرة.
راهب أبيض- نؤجل ذلك حتى الظهر..
راهب أسود- أنتم دجالون..
قلوبكم ملأى بالحقد،
وإيمانكم خداع..
راهب أسود- خطيئتنا الكبرى أنا وثقنا بكم..
أعطيناكم مما لنا بلا حدود...
راهب أبيض- هذا حق لنا...
راهب أسود- من أعطاكم حق العيش هنا؟
راهب أبيض- الحق حق الرب، والدير دير الرب
والملك ملكه
ونحن هنا بمشيئته
راهب ابيض - نحن ابنائه المختارون.
الرهبان البيض- مباركة مشيئتة الرب.
راهب أسود- نحن بناة الدير وأصحابه.
راهب أسود- قطعنا الحجارة بأيدينا..
راهب أسود- وعلى أكتفانا نقلناها..
راهب أبيض- (مقاطعاً)
طريقة بدائية....
راهب أبيض- نحن نستطيع أن نفعل ذلك كله بأقل من عشر الوقت.
راهب أبيض- عندنا المهندسون والمعماريون
فماذا عندكم؟
راهب أسود- الإرادة والسواعد وقوة العمل.
راهب أبيض- نحن لدينا المعرفة.
راهب أسود- وبالمقابل تأخذون ديرنا
فماذا نصنع بالمعرفة عندئذ؟
راهب أبيض- يا لكم من قوم متخلفين، جاحدين.
راهب أبيض- أرسلنا الله لبث الحضارة والمعرفة بينكم
لتخليصكم من تخلفكم.
راهب أبيض- نحن أخلص ابنائه
راهب أبيض- نحن سيفه المسلول
راهب أبيض- لذلك اختصنا بالمكان الأول في ملكوته
راهب أبيض- بخيارنا من بين كل البشر، ومنذ أول التاريخ
هل من ينكر ذلك؟
راهب ابيض – حتى كتبكم تعترف بذلك.
راهب أبيض- (مخاطباً الجمهور)
هل تنكرون ذلك؟
راهب أبيض- لم ينزل نور الرب في هذا الدير
إلا بعد مجيئنا
وتلك أشارة الى ان مشيئته معنا دائماً
يحرس خطانا
ويحمي أرواحنا
وينصرنا نصراً مبيناً.
راهب أبيض- مشيئة الرب، تعطي النصر دوماً.
راهب أسود- (حانقاً)
كفاكم كفراً وتجديفاً...
كفاكم تلاعباً بالكلام والألفاظ الجوفاء...
إن عملكم هو تكريهنا بالرب إلهنا
الرب ليس سلعة تشترى وتباع،
ولا يقيم علاقات خاصة مع أحد...
ولا يميز بين أبنائه..
والله لو لم يكن هذا الدير لنا،
ولو كنا نملك سواه،
لخلعنا هذه الثياب... ورحلنا!
راهب أبيض- نحن على استعداد لدفع كل تكاليف السفر.
تذكروا ذلك دائماً.
راهب أسود- هذا ما تحلمون به،
ولكنا باقون ..
ابد الدهر باقون
وسيتحول بقائنا إلى كابوس يقض مضاجعكم..
إلى غول يفترس هدوء بالكم...
راهب أبيض- متخلفون، يتمسكون بالعذاب...
أفتحوا عيونكم لتروا بلاد الله الواسعة،
راهب أسود- ما دمتم ترون، فما بالكم تنكدون عيشنا؟
راهب أبيض- تلك مشيئة الرئيس
ومشيئته هي أمر الله.
راهب أبيض- جئنا لهذه البقعة نزولاً عند كلام الرب.
راهب أسود- الرئيس خصكم بأحسن جناح في الدير رغم أننا
شيدناه بكدنا وعرقنا.
راهب أسود- مفاهيم العدل انقلبت في هذا الزمان
من يملك يجرد من ملكيته
ومن لا يملك يوهب بلا حساب.
راهب أسود- حتى الشمس تشرق من جهتكم..
والنسيم يصلنا بعد أن يرطب غرفكم،
حاملاً حرارة حقدكم.
ثلاثة رهبان سود سوية- فهل يكون مثل هذا الرئيس عادلاً؟
راهب أبيض- قالوها أخيراً!
راهب أبيض- قلوب سوداء مفعمة بالحقد.
راهب أبيض- كراهية عمياء لا تعرف حدود.
راهب أبيض- نفوس مطوية على اللؤم.
راهب أسود- ما هذه الزوبعة؟
ما هذا الضجيج الأجوف؟
راهب أسود- نحن نتعذب
قلوبنا تقطر دماً
أما أنتم فتجيدون الصراخ
وتركبون للأسطورة ألف جناح...
راهب أبيض- تضمرون لنا الموت وتستكثرون صراخنا؟
راهب أبيض- النجدة يا سيد الكون.
راهب أسود- نحن أحوج بالشفقة والصراخ
نفوسنا تقطر ألماً
حياتنا ملأى بالقهر
آمالنا مفقودة..
نستنجد ولا من منجد
نسترحم ولا من رحيم.
راهب أبيض- (للجمهور) سمعتم..؟
يستكثرون علينا صرخات الألم؟
راهب أسود- لم يعد صراخ الألم على قدر الوجع، إنما على
قدر ما تبيته القلوب من نيات...
والذمم من أطماع
والعقول من مؤامرات
والضمائر من فتن.
راهب أسود- يا رب لماذا تقف بعيدا
لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟
راهب أسود- لماذا تجعل الشرير يفتخر
بشهوات نفسه؟
راهب أسود- والخاطف يجدف
يهين الرب حين يدعي القرابة إليه.
راهب أسود- - أنصر المستحقين
حتى لا يعود يرعبهم إنسان من الأرض.
راهب أبيض- الويل، الويل....
أما من منقذ؟
أما من مستجيب لاستغاثتن؟
نحن القلة المستنيرة؟
راهب أبيض- الويل للعالم الذي لم ترويه دمائنا.
راهب أبيض- قدوس يا قدوس....
لا تتركنا كالردم في الغاب
فليرتعد ويرتجف الأغيار من
نورك المبارك
وليترنحوا كالسكارى أمام قوة وعدك.
راهب أبيض- وليهربوا من أمام سيوفنا المسلولة بمشيئتك
ومن أقواسنا المشدودة لتنفيذ إرادتك.
راهب أبيض- قدوس، قدوس....
راهب أبيض- لنترنم باسمه،
معلين عظمته
أبانا البار الذي في السموات.
راهب أبيض- ومن رعد اسمه يستيقظ الهاربون رعباً في الحفر
ومن يصعد من الحفر يؤخذ بالفخ.
راهب أبيض- قدوس، قدوس....
راهب أبيض- أيها الأخوة بالرب
لنعلم رئيس ديرنا المبجل بما يحاك من تدابير...
نضع أمامه الحقائق
كاشفين النوايا الخبيثة
والضمائر الغادرة
ليعرف أي قوم جاحدين في هذا الدير...
راهب أبيض- خلصنا يا رب
تعبنا من الصراخ
تيبست حلوقنا
وكلت عيوننا من الانتظار.
راهب أسود- صراخ وعويل بلا سبب وجيه.
راهب أسود- أرى أن النية تتجه لتزهيقنا كي نرحل.
راهب أسود- ونحن لن نرحل
هنا باقون.
ما دام في عروقنا دماء تسيل
هنا باقون،
ما دام في صدورنا نبض حياة.
راهب أبيض- يهاجمون الرئيس بسفيه الكلام
ويهددونا بالإبادة
بإغراقنا بالدم.
راهب أبيض- نسوا فضلنا وفضل الرئيس
ويكفرون بكلام الرب،
المثبت بالكتب المقدسة.
راهب أبيض- كان ديركم متهدماً فرممناه.
خراباً مهملاً. فأعدنا له الحياة.
راهب أبيض- كان مغموراً، فأبرزناه.
راهب أبيض- يردون لنا الجزاء بالكراهية والغضب.
راهب أسود- كفى هرطقة وتجديفاً.
كفى كذباً على الأموات والأحياء.
راهب أسود- سواعدنا هي التي أعلت البنيان.
راهب أسود- نحن جعلناه ذا شأن.
راهب أسود- لم نحن قاماتنا حين جد العمل.
راهب أسود- يا رب رد لنا جزاءنا حسب عمل أيدينا.
وأهلك الكاذبين تحت سمائك.
راهب أسود- وقد أعلينا شأن ديرنا
وجعلناه قبلة للأمم
ونوراً يشع بالمحبة والمعرفة.
راهب أبيض- هذا الكلام اسمه تآمر،
وهو من باب الكفر والإلحاد
والعقوق والزندقة.
راهب أبيض- اسمعي أيتها السموات،
وأصغي أيتها الأرض.
راهب أبيض- لو أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا
مثل سدوم وعمورة.
راهب أبيض- هلاك المذنبين والخطاة يكون سواءً.
وتاركوا الرب يفنون.
راهب أبيض- ينكرون حقنا الذي نصت عليه الأسفار المقدسة.
راهب أسود- حق؟!
تتحدثون عن الحق؟
(ينظر نحو الجمهور)
هل من يشرح لي معنى هذه الكلمة؟
راهب أسود- يعنون الأرض المسحوبة من تحت أقدامنا
والبيوت المهدومة
وتشتيتنا شرقاً وغرباً
وذبحنا ذبح الشياه؟
هل من معنى آخر؟
راهب أسود- ويصرخون، قدوس... قدوس....
راهب أبيض- هي مشيئة الرئيس...
فكفاكم فتناً
الرئيس لا يفعل إلا ما يأمره به الرب
والدليل قد نزل قبل فجر هذا اليوم.
فلتترنموا وتهللوا بوعد الرب.
راهب أسود- لم نعد نؤمن بعدالة الرئيس.
راهب أسود- ولا بطهارته.
راهب أسود- فرض علينا القيود، بينما أطلق أيديكم.
راهب أسود- حتى الرب صار قيداً.
الرهبان السود- (سوية) حتى الرب صار قيداً.
راهب أبيض- كفرة.
راهب أبيض- لن يهدأ لنا بال حتى نرى ما يكون من أمر الفتنة.
راهب أسود- يأكلون خبزنا ويتهموننا بالعدوان.
الرهبان البيض- (سوية) قدوس، قدوس، ليكن اسمك مباركاً!!
راهب أبيض- قدسوا اسمه ذاك الذي جعلنا فوق الأمم.
راهب أسود- يسرقون عملنا ويكابرون علينا.
راهب أسود- يسرقون إنسانيتنا ويملئون الأرض صراخاً عن عدوان موهوم
راهب أسود- يستغيثون ونحن أحوج بالاستغاثة
راهب أسود- حتى الرب سرقوه. صار ملكهم الخاص
راهب أسود- لطفك يا ملطف
راهب أسود- صراخهم هو خوف الجاني من فعلته
راهب أسود- ويتهمونا بالتآمر والفتن؟!
راهب أسود- يضطهدونا ويطلبون النجدة
راهب أبيض- أخرجوا من الدير أيها الملاعين
راهب أسود- هذا ديرنا
كل حجر يشهد على ما أقول
في كل غرفة بقية من بقايانا
في كل زاوية أثر من آثارنا
حتى القسم الذي تسكنوه انتزع منا بالقوة
فمن أولى بصرخات الألم
القابضون أم الخاسرين؟
راهب أبيض- آمين....
راهب أسود- من أعطى الرئيس حق المنح وهو لا يملك؟
راهب أسود- من منحة سلطة علينا وهو غريب عنا؟
راهب أسود- خصم وحكم
متحيز وحكم.
راهب أبيض- أنتم تكفرون
لا تستحقون الثوب الذي عليكم
جاحدون للخير الدافق
راهب أسود- وهل عرفنا الخير؟
هذه الخرق التي علينا تشير للخير؟
راهب أسود- ثيابنا صنعناها بأيدينا
راهب أسود- من أعشاب البرية
راهب أسود- أما ثيابكم فمستوردة
راهب أسود- نرى بها الشؤم
راهب أسود- نرى بها التمييز حتى بين جدران ديرنا
راهب أسود- تتميز ضدنا ونحن أصحاب الدير
راهب أسود- قبلنا حياة الذل ولم نخلص من العذاب
راهب أسود- حرثنا أرضنا لحسابكم، ولم نفز بكلمة شكر
راهب أسود- أكلوا خيراتنا وقالوا عنا سارقون
راهب أسود- يسوقوننا سوق القطيع ويقولوا إننا متآمرون
راهب أسود- قلبوا كل المفاهيم الإنسانية
راهب أسود- من لا يملك يتمتع بالخيرات ومن يملك يتمتع بالشقاء
راهب أسود- ومن الرب صنعوا عصا يهزونها في وجه الأبرياء
وجه المعذبين والمسلوبين
راهب أسود- هل من خلاص؟
(تدخل المساعدتان)
السوداء- ضجتكم تقلق رئيسنا في خلوته وتخيف الأرض
المقدسة
البيضاء- ما هي حكايتكم؟
راهب أبيض- إنهم كفرة... زناديق!!
راهب أبيض- لا يؤمنون بالرب
راهب أبيض- زناديق.... جاحدون
راهب أبيض- شكاكون ومثيري شغب
راهب أبيض- يدعون أن الدير لهم من دون كل الناس
راهب أبيض- يتآمرون على حقنا المشروع...
ويكفرون بما جاء في الكتب...
راهب أبيض سنرفع شكوى لرئيسنا المقدس.
راهب أسود- (متهكماً) ما دام معكم فهو مقدس
راهب أسود- بالنسبة لنا لم تعد أمامنا إلا طريق واحدة
العصيان!
راهب أبيض- هل تسمعان التهديد.
راهب أبيض- يهددونا بالقتل
مجموعة رهبان بيض- الويل للإنسانية
مجموعة رهبان بيض- الويل للعالم
كل الرهبان البيض- (متوجهين للجمهور) يهدرون دمنا
راهب أبيض- يجب إيصال خطورة الوضع لإخوتنا في الخارج.
ليمدونا بالمال والرجال.
مجموعة رهبان بيض- (يقتربون حتى يواجهوا الجمهور ويصرخون).
أنقذونا!!
كل الرهبان البيض- (بصراخ) يهددونا بالقتل!
راهب أسود- الهي.... الهي... خلصنا من هذا الدجل
السوداء- كفاكم صراخاً
البيضاء- اهدأوا قليلاً
السوداء- لم أسمع تهديداً بالقتل
فلا داعي للتهويل
البيضاء- بل هناك تهديد مستور
يجب إبلاغه للرئيس فوراً
ليضرب بيد من حديد
مدعومة من عند الرب
على أيدي الخارجين عن طاعته
مخرجاً من داخلهم روح الشياطين
السوداء- كفاك يا أختي تهويلاً
فالدير كبرميل بارود
قد ينفجر في كل لحظة
البيضاء- لا تستري على جماعتك
السوداء- أناشدك بالرب، وبابن الرب
الذي مات من أجلنا نحن البشر
أن تتريثي...
ولا تدسي الحطب في النار
البيضاء- أخاف ساعتها أن يكون الوقت متأخراً
فلا ينفع الندم
(فترة صمت تتأمل خلالها المساعدة السوداء
المساعدة البيضاء).
السوداء- (تتقدم إلى مقدمة المسرح وتخاطب الجمهور)
يا للعجب مما أسمع
كأني ضعت فوجدوني
أو غرقت فانتشلوني
أرى الأشياء عكس وضعها الصحيح
فأقول لنفسي لعل وعسى
أسمع صرخات الألم وزفرات القهر....
وأقول أن الله يلطف ما بالقلوب....
هل هي حكاية؟
هل ما أراه حقيقة مجسدة؟
أم كابوساً مرعباً؟
(تنظر إلى عدد من الرهبان السود)
يا إخوتي...
(تضع يدها على كتف أحدهم)
لقد أبصرت...
ها هو النور يعود إلى عيني.
ومع النور يشتد حزني...
ومع حزني تفور السعادة بأعماقي.
سعادة رؤية الأمور على حقيقتها المتجلية
ويفور الحزن بأعماقي...
حزناً لحالتنا الغريبة...
يا إخوتي..
أنا أرى....
والرؤية تعطيني سعادة
أقوى من الحزن المتأصل في نفسي
والدموع تملأ عيني
ما كان أجدرك أيتها الدموع بأن تنحدري الآن
فتريحيني من ضغط الأفكار الموحشة
ما كان أجدرك أيها الحزن أن تنفجر
فتخفف بعض ما في الصدور من غضب دفين..
ما كان أجدرك أيتها الحقيقة
أن تنتفضي وتنطلقي كطائر الرعد
أيها الرب
(تقف بمواجهة الجمهور، ناظرة نحو السماء).
لماذا لا يكفهر وجهك....
لماذا لا تعلي الحق وتزهق الباطل؟
أليس الباطل زهوقاً؟
دعنا نتحقق لمرة واحدة من وجودك....
نلمس قلبك الواسع...
تغرقنا حقيقتك..
الحقيقة الجميلة... الساطعة... الساخطة...
(تنظر بوجوه الرهبان السود- الرهبان البيض
يقفون بمواجهة الدير، ظهرهم للجمهور، ويهتزون
مخرجين صوتاً رتيباً كأزير الحشرات).
السوداء- (مستمرة)
أيها الحقيقة
رغم قسوتك
فأنت أجمل الأشياء
(تنظر نحو الجمهور)
هكذا يبدأ الشك
وترتسم علامة سؤال في الأفق...
ترى، هل يروق لأحدكم أن يضيف شيئاً ما؟
(ستار)
****
الحالة الثانية- تجلي الزمن السيئ
نظرة من الداخل
(نفس المكان، سوى أن تغييراً قد جرى على لون الدير إذ أصبح اللون ربع أبيض كما كان في الحالة الأولى، وثلاثة أرباع رمادي، أي أن اللون الرمادي حل مكان اللون الأسود، مع بقاء بقع سوداء صغيرة وواضحة عبر اللون الرمادي، ولا بأس من بعض البقع البيضاء أيضاً.
مع فتح الستار، يكون المسرح خالياً، وموسيقى جنائزية تعزف ببطء وتقطع... ضحكات صاخبة تسمع من القسم الأبيض... في ذا الجو يبدأ الرهبان السود بدخول المسرح واحداً بعد الآخر، شديد. ينتشرون فوق خشبة المسرح بأشكال هندسية مختلفة... الإذلال باد على وجوههم وهياكلهم... تمضي لحظات صمت لا تقطعها إلا ضحكات الرهبان البيض من الخارج، والموسيقى الجنائزية المتقطعة... وفجأة تسمع قرعة صنوج قوية جداً، تتوقف بعدها الموسيقية الجنايزية ومختلف الأصوات الصادرة من الخارج، تمضي لحظات صمت، ويكون الضوء أزرق خافتاً).
******
راهب أسود- (من وسط المسرح – صارخاً) وماذا بعد؟
لا تبدو في الأفق نهاية
والزمن يصبح أكثر سوءاً....
والصمت مريب ورهيب
والقهر قاتل
(رئيس الدير من الخارج - يرافقه اللحن الجنائزي
المتقطع)
((فقام أيوب، ومزق جبته، وجز شعر رأسه،
وخر على الأرض وسجد ... ))
(يدخل رئيس الدير، تتوقف الموسيقى الجنائزية،
يجيل أنظاره بالرهبان السود، ويستمر: )
رئيس الدير- وقال أيوب: ((عريانا خرجت من بطن أمي،
وعرياناً أعود إلى هناك،
الرب أعطى والرب أخذ))
مبارك أسم الرب...
فأقبلوا يا أبنائي بما وهبكم أياه الرب،
إن الرب لا ينسى عباده
سيمنحكم ملكوته في السموات،
وليكن أسمه مباركاً..
وإلى أبد الآبدين
وليغفر لكم ذنوبكم
ويدخلكم فسيح جنانه
(يخرج)
الرهبان البيض- (من الخارج)
مبارك أنت أيها الرب،
مبارك أنت..
عادل أنت أيها الرب
عادل أنت...
لتكن مشيئتك هي الأعلى
ليكم مجدك فوق كل مجد
أنت لنا ونحن لك
وإلى أبد الآبدين..
أنت لنا ... أنت لنا ...
فلا يخف اتباعك أبداً...
راهب أسود- إني أشم رائحة الحرب في نشيدهم.
كلمة الرب في غنائهم هي بديل للحرب
أني أكاد أسمعهم يقولون:
راهبان أسودان- (يشتركان مع الراهب السابق)
مباركة أنت أيتها الحرب
مباركة أنت،
عادلة أنت أيتها الحرب
عادلة أنت
لتكن مشيئتك هي الأعلى
ليكن مجدك فوق كل مجد
أنت لنا ونحن لك...
وإلى أبد الآبدين..
أنت لنا... أنت لنا ...
راهب أسود- كنا نذل أنفسنا
كي نرى ابتساماتهم
راهب أسود- كانت صلبانهم بنادقهم
يوم كانت صلباننا محاريث
راهب أسود- عبأنا رؤوسنا بالكلام
يوم عبأوا خراطيشهم بالرصاص
راهب أسود- قالوا لنا الحق هو حق الرب
وأخذوا الرب منا
راهب أسود- حولوه إلى ملكية خاصة
إلى منطقة مغلقة ممنوع التوغل فيها
راهب أسود- (يخاطب الجمهور)
يلوح لي عذاب مرير
في أيام قادمة..
ونحن نواصل العويل
ونواصل الكلام
ونغرق في الأحلام
وأنتم...؟!
أجل أنتم..
ترى هل تغيرتم؟
راهب أسود- (للجمهور)
هل أستطاع الزمن أن يكشف لكم حقائق
ما جرى وما يجري؟
راهب أسود- ( للجمهور)
هل تدرون من أين تهب الريح؟
ومن أين تبدأ العتمة؟
راهب أسود - (للجمهور) العتمة
متى تنتهي العتمة..؟
وتخرجون لضوء الشمس؟
راهب أسود- هلموا نفعل شيئاً
كي لا نزيد العلقم
مرارة
في أفواهنا...
راهب أسود- أصبحنا بلا حق
ونحن أصحاب الحق
وأصبحنا بلا دير
ونحن أصحاب الدير..
ولا زلنا نعول على الكلام
والشكوى..
والبكاء..
والأحلام
راهب أسود- لا أمل بلا ذل
لا حق بلا عطاء
لا اخلاص بلا ثمن
راهب أسود- لتكن مشيئتك معنا أيها الرب
خلصنا... خلصنا...
أعد إلينا حقاً
ولا تقس علينا
راهب أسود- أغفر لنا ذنوبنا
راهب أسود- هبنا مدد من رضائك
نفحة من رحمتك
مسحة من حنانك
وخلصنا.
راهب أسود- كيف يقدرون أن يتكلموا بالصالحات
وقلوبهم تنطوي على الشر؟
كيف يتكلمون عن الإيمان
ونفوسهم مليئة بالضغائن والأطماع؟
راهب أسود- (متوجهاً للسماء) هبنا الخلاص من مبصرين ولا يبصرون
وسامعين لا يسمعون
فاهمين ولا يفهمون
راهب أسود- إلهي.. إلهي هبنا خلاصا أبديا
راهب أسود- قال عمر بن الخطاب للمرأة أن تضيف لصلاتها
شيئاً من القطران إذا أرادت شفاء بعيرها..
(بإنكسار)
نحن نصلي ليل نهار..
أما خلاصنا فيحتاج إلى القطران
ونحن لا نملك القطران
راهب أسود- ولماذا لا نملكه؟
راهب أسود- مبارك أنت أيها القطران
مبارك أنت
راهب أسود- لم نكن بحاجة إليه..
راهب أسود- قطراننا يملأ أعماقنا
قطراننا تكاتفنا
تعاضدنا
قطراننا صوتنا المجلجل في البراري والوديان..
في السهول والبطاح..
صراخنا المدوي في الأرض والسماء...
قطراننا فينا إذا عرفنا ما نريد.
راهب أسود- أخشى أننا لا نعرف كيف نستعمله
فمنذ فتحنا أعيننا على الحياة لم نجربه
لم نفكر به
راهب أسود- لم نستعمله خوفاً من غضب الرب
الذي قال على لسان أبنه
((أحبوا لأعينكم
أحسنوا إلى مبغضيكم)).
فكيف يستوي هذا الأمر مع القطران؟
راهب أسود- نحن لن نستعمله إلا خدمة للرب
وإعلاء لشأنه.
راهب أسود- أنا في شك مما نرمي إليه
فنحن لم نتعلم غير الصلاة
وخدمة الرب
حتى نضمن الجنة
يوم تجيء الساعة
وتقوم القيامة
فإيانا من السقوط في رجس الخطية
ومعصية الرب
راهب أسود- نحن نملك الرب أيها الأخوة
فلا تنخدعوا بافترائاتهم
وهو قادر، إذا ما تبنا
على تحقيق العدل
وإزهاق الباطل..
فهلموا نطلب الغفران
ونقدس اسمه
هلموا نهلل لمجده
ونترك أمرنا في يده
أنه رب الكون
يمهل ولا يهمل
هو العلي القدير
الآمر الناهي
الجبار المتمكن
راهب أسود- نحن نملك الرب أيها الأخوة
وهو قادر إذا ما تبنا
وطهرنا نفوسنا..
راهب أسود- (مقاطعاً) وما هي خطيئتنا؟
ولماذا هذا الإصرار وكأننا أشقياء؟
راهب أسود- هلموا نطلب الغفران
ونترك أمرنا في يده
راهب أسود- أكاد أعجز عن الفهم
ربما لم أعد أدري ما تعنيه كلمة الرب؟
هل من مفسر لمعناها؟
كاشفاً لفحواها
لعل وعسى نفهم ما غفلنا عنه؟
راهب أسود- سلاسل...
ثم سلاسل...
ثم سلاسل!!
راهب أسود- لنعطي حق الفعل لأيدينا
لنعلي شأن العمل ونقدسه
راهب أسود- لتكن أيها الرب شاهداً
بأننا لا نكره أحداً
ولا نطلب حق أحد
هو حقنا ما نطلب
وهذا لا يتحقق بالصلاة لوحدها
وإنما بالإرادة أولاً
وبالفعل ثانياً
راهب أسود – (يتقدم حتى يواجه الجمهور)
هذا العالم ... الويل لهذا العالم
كل ما فيه مقلوب.. مقلوب..
يا سادة
ملعون هذا العالم!!!
الكذب يحركه من أقصاه إلى أقصاه
أما الصدق فصار أغنية عن الأمنيات
رئيس الدير- (من وسط الجمهور)
باسم الأب والابن والروح القدس
اله واحد آمين..
ملعونة أنت أيتها الأرواح الشريرة
ملعونة أنت أيتها النفوس الخائنة
ملعونة أنت
ملعونة
إن من يؤمن بالرب
عليه أن يقبل تجربة الرب به
فليتبارك أسمه..
(يصعد للمسرح- يعزف اللحن الجنائزي، يواصل)
وليتمجد ذكر الرب
يا أبنائي...
في تلك الليلة العظيمة..
وبينما أنتم هاجعون لا تدرون من أمركم شيئاً
فإذا بضوء من السموات يشع في غرفتي
وصوت عظيم يأمرني: أقترب إلي
فخرجت من العتمة
وخررت ساجداً لنور الرب
قدست اسمه..
وصحت من الأعماق
(يصعد فوق المصطبة التي في وسط المسرح)
مبارك أنت أيها الرب حيثما كنت
مقدسون أنبياؤك ورسلك
مقدس أسمك، مقدس أسمك، مقدس أسمك
مقدس إلى يوم القيامة
(ينزل)
يا أبنائي..
يا أخوتي بالرب
قال الرب كلمتة في تلك الليلة العظيمة
وبعث نوره برهاناً قاطعا
تلك هي مشيئته في علاه
فليتمجد اسمه ألف تمجيد
فمن يعصي مشيئته؟
من يقف في سبيلها؟
من ينقضها؟
من يرفض تجربة الرب به؟
ألم يمتحن قلبكم إبراهيم في وحيده وقرة عينه
أسحق؟
فلننشر اسمه المقدس في الآفاق
ولنرتل لمجده الأبدي
أني لا أفعل إلا ما يأمرني به الرب
فكونوا لي عوناً في تحقيق كلام أنبيائه
وإقرار حكمته
(يخرج ويواصل كلامه من الخارج)
ولا تنقضوا مشيئته أبداً، حتى لا يلعنكم إلى
أبد الآبدين
ويحرقكم في نار جهنم.
الرهبان البيض- (من الخراج، سوية) آمين.
راهب أسود- هل فهم أحدكم شيئاً؟
راهب أسود- أجل
راهب أسود- ماذا فهمت؟
راهب أسود- أما أن نكون أو لا نكون
راهب أسود- ما جديد في ذلك؟
راهب أسود- أخشى أن الطبخة تطبخ والزمن لا يرحم
راهب أسود- إذن لنفعل شيئاً بدل هذا الضياع والتمزق
بدل الوجل والتردد
راهب أسود- علينا أن نصمد حتى الموت.
المساعدة السوداء- (من الخارج)لا..
(تدخل) لا..
بل لنقل صموداً حتى النصر.
مجموعة رهبان سود: - حتى النصر!
راهب أسود - النصر؟
من يعطينا النصر؟
صلباننا الخشبية..؟
أم جوعنا القاهر؟
أم ضياعنا وتشتيتنا؟
أنا شخصياً لا أعلم
(يخاطب الجمهور) ترى هل يعلم أحدكم كيف يُحقق النصر؟
راهب أسود - أيها الأخوة لنهاجر
فنحن لا نملك من وسائل الدفاع...
إلا كلمات بليغة حزينة الإيقاع
ودموعاً حارة جياشة دافقة
بينما الحق ينزوي دائماً الى الجانب
أمام السيف المسلول
فماذا نفعل في هذا المكان
الذي لم يعد لنا به مأوى.؟
راهب أبيض - (مطلاً من نافذة من نوافذ المدير)
نذكركم أن تكاليف السفر، جاهزة لمن يرغب...!
(يخفتي)
راهب أبيض - - (مطلاً من نافذة أخرى)
ونزود المسافرين برغيفين ومطرة ماء... وحذاء
ليتخلصوا من الجوع والعطش،
ووعث الطريق.
وبصورة مشتركة للأنبياء والرسل..
كي يحفظوها للأبناء.
تذكروا ولا تنسوا
عرضنا الكريم مفتوح
(يختفي)
راهب أسود - الموت هنا أعز على نفسي من نعيم في مكان آخر
راهب أسود - لو كان هناك بصيص من نور
أو لمسة من حنان الرب
لدعوتكم للبقاء
أه لو كنتم معي
ورأيتم الرئيس الذي يخدرنا بكلماته
كيف كان يحدثهم ضاحكاً
أولئك المتمتعين بحقنا...
قائلاً لهم:
بأن الله قد ظهر له
وأمره أن يعدهم بالدير نيابة عنه
لأنهم أخلص أبنائه
وأقربهم الى قلبه
وأحبهم الى نفسه
فهم رافعوا لوائه في كل الأرض
ومنفذوا رغباته
وحاموا إرادته
وحراس دربه نحو المجد
المساعدة السوداء - صدقوني
ان مفهوم الرب
أصبح مستعصياً على فهمي
فأنا بت لا أصدق الرئيس
ولا أعتقد بقدسيته
وأكفر بعدالته...
ولا أصدق إطلاقا
إن الرب يظلم أبناءه
(حتى لو كانوا أشراراً..)
فما بالكم بمؤمنين مثلنا؟
أوقفوا حياتهم على فعل الخير؟
الرب هو المحبة
هو الداعي على لسان ابنه.
إلى التسامح والتصافح.
فكيف يندمج الحب بالظلم
والخير بالحرمان؟
راهب أسود - إن الرب والظلم نقيضين
الرب صنو المحبة
المساعدة السوداء - الظلم أبعد ما يكون
عن أفكار التسامح الربانية
راهب أسود - سنبقى ندور في حلقة مفرغة من الكلام
الأجوف
حتى نخطو الخطوة الأولى بجرأة
ونقر بصوت مرتفع...
أمام العالم،
وأمام هذا الجمهور
إن الرئيس كاذب
وإن الرب الذي يدعونا لطاعته
هو رب مشوه
هو رب كاذب
ولينقل الواشون كلامنا
الى أصحاب نعمتهم
فلم يبق لنا ما نخسره
ولم يبق لنا ما نخاف عليه.
المساعدة السوداء - حتى إنسانيتنا يغبطوننا عليها
وكأنها هبة منهم؟!
راهب أسود - لنتمتع بالجرأة ولو مرة واحدة
ولنصرخ بملء أفواهنا
وبكل الغضب المتفجر في الصدر
كفى! كفى!
لقد طفح الكيل!!
راهب أسود - وإني أقول باسم الحق
إن ما يدعيه الرئيس
من نور الهي قد ظهر له
أو نبؤة قد نزلت عليه
هو كذب واضح
فالصرخات التي سمعتموها في تلك الليلة هي صرخاتي.
راهب أسود - ربنا لا تزغ قلوبنا
بعد أن وهبتنا حلاوة الإيمان
راهب أسود - رب تمم بخير
راهب أسود - وما الضمانة إننا على حق؟
فأنا ما زلت راسخ الإيمان
بأن الرب سيعلي في النهاية
إرادة المخلصين الحقيقيين...
فلنصل له..
ولترتفع ابتهالاتنا للسماء
بحرارة وصدق
عله يسمعنا
فيرى ما يرى
ويعلي مشيئته العادلة
فوق الجميع
وينصر الحق ضد الباطل
راهب أسود - لنمنحه فرصة أطول
عساه يعيد تقييم موقفه
فيقف مع الحق ضد الباطل
فإن الباطل زهوق دوماً
راهب أسود - لن يجدينا الانتظار
الا خسارة أكبر...
ولن يكون للصلاة فعل
الا تخديرنا من جديد
فنحن لم نعد نعرف
لأي رب نصلي....
نكره رب الرئيس
ونجهل وجود رب غيره
المساعدة السوداء - أنا لم أعد أؤمن
بأن الرب يفعل كل شيء
بل الإنسان يفعل
والرب يحكم...
فليكن فعلنا بحجم نيتنا
ولتكن ضمائرنا هي المعيار
راهب أسود - ما ينفعنا ضميرنا وحماسنا
ما دمنا لا نملك الوسائل؟
وهم بمشيئة الرئيس
يملكون كل ما يلزمهم
لقمعنا...
وفرض ارادتهم علينا
راهب أسود - هل نصمت اذن؟
هل نتمزق؟
راهب أسود - كيف نصمت
والسكين فوق رقابنا؟؟
كيف نصمت والعذاب يشملنا؟
كيف نصمت والقهر يمزقنا؟
مجموعة رهبان سود - (يواجهون الجمهور)
ملعون هو الصمت
ملعون هو الصمت
ملعون هو الصمت
وملعون هذا الزمن
الرهبان السود - (سوية)
لا صمت بعد اليوم
لا صمت أبداً
المساعدة السوداء - نحن يا إخوتي لم نصمت أبداً
ولكنا خدعنا بكبارنا
أخافونا من غضب الرب
فبتنا بلا حول
وبات الدير لنا بالاسم
ونحن لا نملك حتى أنفسنا...
راهب أسود - لنقاتل بكلمة الحق
لنقاتل بأظافرنا
لنتقاتل بوحدتنا
راهب أسود - ومن يسقط
مقدس هو عند الرب
مجموعة رهبان بيض - (من الخارج)
ملعونون، أنتم أبا عن جد
هكذا قال الرب
(يظهر عدد من الرهبان البيض في معظم نوافذ الدير، متأبطين بنادقهم).
الرهبان البيض - (سوية)
نقترح عليكم السلام
والايمان بالرب
(يتجمد الرهبان السود في أماكنهم بلا حراك. يدخل الرئيس ووراءه المساعدة البيضاء تحمل باقة ورد)
رئيس الدير - (ينظر بوجوه الرهبان السود، ويبتسم. يتناول باقة الورد).
باستطاعتك أن تتحدثي يا حلوتي
فنحن في خلوة...
لا يسمعنا الا الرب وحده
وهو ربنا كما تدرين
(يشمشم الورد حين تتكلم المساعدة البيضاء)
المساعدة البيضاء - أيها المبجل.
يا صاحب الفضل
بعثني اخوتي اليك
حاملة تعابير الخشوع
ناقلة معاني الشكر والامتنان
مجددة قسم الخضوع والحب
لشخصكم المقدس
مجددين لك العهد
أن نكون أخلص لك
من أصابع اليد
مستعدين دوماً
في كل مكان
وفي كل زمان
لتحقيق رغباتك المقدسة
وحماية عرشك
كي لا يغرب نور الشمس عنه أبداً
ونسأل الله العلي القدير
أن ينير طريقك دوماً
وأن تبقى هامتك منتصبة
وجبينك مزداناً دوماً
بأكاليل الغار..
وسنكون حرساً لدربك المظفر
من الأوباش
وقطاع الطرق
فامنحنا بركتك
ومدنا برضاك
وهبنا من قوتك قوة،
الرهبان البيض - (يشرعون بنادقهم باتجاه الرهبان السود في وضع الاستعداد
لإطلاق النار. يزعقون سوية)
آمين....
ستار
(كتبت المسرحية عام 1970 ونشرت بحلقتين في محلة "الجديد" الحيفاوية وصدرت في كتاب عام 2001 )
nabiloudeh@gmail.com