* لولا علمانية اليهود لهلكت إسرائيل*
بقلم: نبيل عودة
تتنامى في اسرائيل ، في السنوات الأخيرة ، ظاهرة الإنجراف للدين ، لدرجة ان العلمانيين ، يهبرون من مدينة القدس مثلا ، التي تتحول الى بؤرة دينية متعصبة أشبه بالفكر الوهابي في تخلفه وانغلاقه.
في الجيش يتزايد عدد ضباط الجيش من واضعي " الكيباه " ( القبعة التي يضعها عادة المتدينين اليهود ) مما يشير الى تنامي الاتجاه الديني داخل صفوف الجيش ، وهي ظاهرة تقلق اوساطا واسعة من المجتمع الاسرائيلي ، العلماني بجذوره ومبناه. وبالطبع هناك صراع حاد ، وأحيانا لا يطفو الى السطح ، بين التيارات الدينية ، والتيارات العلمانية والدينية العقلانية. وكان وزير القضاء الحالي قد اقترح قبل أكثر من شهر ان تُعتمد الشريعة اليهودية في القانون الاسرائيلي ، فقامت ضده حملة عنيفة من النقد والهجوم ومطالبة باستقالته او عزله من منصب وزير القضاء، وعمليا أُخرس صوته واضطر لتوضيح تبريري لمواقفه.
وقد رأيت ان أنقل هذه الحادثة المعبرة ، والتي تشير الى تنامي الفكر الوهابي في اسرائيل.
****
الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي "لا يريد بنات في الجيش" . اليهود المتزمتون (الحراديم) يستعملون العنف لمنع فتح موقف سيارات يوم السبت في القدس. الصراع الديني العلماني على أشده في إسرائيل.
موقف الحاخام العسكري من "خدمة البنات في الجيش" يثير غضب المجتمع الإسرائيلي برُمتِهِ…ليس بسبب الخدمة في الجيش، إنما بسبب تصريحات أصولية يهودية تأتي من المصدر الديني الأول في الجيش.
المجتمع اليهودي، وأعترف بذلك.. هو مجتمع مدني ليبرالي منفتح وحساس لقضايا الكبت الديني وحقوق النساء .. وذلك بغض النظر عن فكره السياسي وموقفه من قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط .. ومن الأقلية العربية في إسرائيل.
في الجيش الإسرائيلي هناك مجندات متدينات، حسب المتبع، كان باستطاعتهن أن يرفضن الخدمة،تماماً مثل الشباب المتدينين(الحراديم).
تبرير الحاخام الرئيسي هو تبرير يثير غضب المجتمع اليهودي العلماني في إسرائيل، ويمكن القول آن الأكثرية المطلقة غاضبة من تفوهات يعتبرها الرأي العام اهانة للمرأة , إذا أخذنا بالاعتبار- أن غير العلمانيين ،علاقتهم بالدين هي علاقة أعياد وطقوس شعبية لا غير.
يقول الحاخام "إن خدمة البنات في الجيش تُناقض الشريعة اليهودية وانه منذ العام 1951 لم تصدر أي فتوى تسمح بخدمة النساء في الجيش، الحاخام أنكر انه قال ذلك ولكن صحيفة "هآرتس" العبرية تحدثت مع أربعة من الحضور الذين أكدوا أن الحاخام قال ما نشر على لسانه تماماً".
تخيلوا مع كل جندية يركض بجانبها محرم يهودي أثناء التدريب ؟! وهناك مراقب على التنانير العسكرية لمنع تقصيرها الذي يدوخ العقل . وهناك شرطة عسكرية دينية تمنع الأحاديث وإرسال نظرات التمني إلى جهة "الطرش الغريب"!!
لا نريد أن نسترسل حتى لا نعلق مع نفس العقلية في مجتمعنا !!
الناطق بلسان الجيش اصر على أن الحاخام لم يقل ما نشر عنه. رغم ما جاء من توثيق في الصحافة.
الحديث هنا عن مجتمعين متناقضين تماما . مجتمع منفتح ليبرالي يرفض القيود الدينية المتزمتة ،يضم متدينين منفتحين بعقلية أقرب للعلمانية ، وعلمانيين لا يواجهون مشكلة في التصريح بقناعاتهم ، حتى لو كانت الحادية . ومقابله مجتمع ديني متزمت منغلق بأسوار لا يهدمها حتى السلاح النووي .
من الخطأ ان يسود الظن لدى القارئ العربي ، إن المجتمع الإسرائيلي ( اليهودي ) ، بناء على ما سبق وعرضته هو مجتمع مهزوز قابل للانهيار ،مثل هذا الاستنتاج سيكون مبنيا على الأوهام .. ولكنه موضوع آخر ...
حقا نشاهد صراع يهودي علماني – ضد يهودي ديني متزمت .
المجتمع اليهودي تسيطر عليه القيم العلمانية لدرجة أن العلمانيين يهربون من القدس، التي تتحول إلى مدينة محافظة متعصبة يسيطر عليها اليهود الحراديم،التيار الأكثر تعصباً وتشدداً في اليهودية ، إلى مدينة تل أبيب العلمانية ذات أسلوب الحياة الأوروبية المنفتحة والمتحررة لدرجة أن الرجل يحتاج إلى "محرم نسوي" ليتحرك بحرية !! .
يمكن القول أن التيار الديني المتعصب هو "التيار الوهابي" في اليهودية... لدرجة أنهم يعلقون لافتات لتحذير النساء من المرور بأحيائهم بلباس "غير محتشم " ... ومستعدون لخوض معركة عنيفة في سبيل الحفاظ على ما يسموه "قدسية السبت"، حتى لو نزفت الدماء ..
المسيح ابن مريم ، كان يهوديا ، ونشط كيهودي ، ومات ودفن كيهودي ، قبل ان ينطلق تلاميذه ليؤسسسوا المسيحية حسب تعاليمه ، قال عن السبت : "السبت لخدمة الإنسان وليس الإنسان لخدمة السبت" بما مَعناهُ أن القيمة للإنسان وليس للعقلية الوثنية، وطبعاً نحن لا نتدخل في صراع ديني-علماني يهودي..ولكننا مواطنون في الدَولةِ نفسها، وكل ما يدور فيها يؤثر على حياتنا. وعندما نسافر مثلاً يوم السبت لزيارة مدينتنا المقدسة نحتاج نحن أيضا إلى أماكن نركنُ سياراتِنا فيها ... وغني عن القول آن أماكن الوقوف في أيام الجمعة والسبت مكتظة إلى حد الانفجار..ولا يمكن إيجاد موقف..مما يضطرنا للركْنِ في أماكن بعيدة ، واستعمال وسائل نقل بديلة ، كَما ويُمنع الدخول إلى إحياء اليهودِ المتشددين في القدس حتى بواسطةِ سيارات الأجرة. والويل للسيارة التي تخطئ... تمزق شر تمزيق هي وركابها!!
أجل ، قلوبنا مع العلمانيين...
قرأت مثلاً مقالا لكاتب اسمه عامر لطيف يحمل عنوانا استفزازياً "لولا تكنولوجيا الغرب لهلك العرب" وأقول بالمناسبة : "لولا علمانية اليهود لهلكت إسرائيل" .
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني
nabiloudeh@gmail.com