إسرائيل .. دولة يحكمها رسميا المستوطنون!!
*وقف فوري للمفاوضات، لن يخدم القضية الفلسطينية وآفاق التحرر من الاحتلال* الطريق مفتوحة للحصول على ضمانات فلسطينية من الراعي الأمريكي ، تتعلق بالحدود والقدس واللاجئين *
نبيل عودة
يجمع معظم المراقبين في إسرائيل ، إن موضوع البناء في المستوطنات لم يعد يحتمل الكثير من المناورات الإسرائيلية.
من الواضح أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجهد نفسه في البحث عن "حل سحري" ، يسمح بتجديد البناء من جهة وضمان أمن حكومته وائتلافه اليميني المتطرف من الانهيار، وأن يبقي الفلسطينيون على طاولة المفاوضات .
الواقع السياسي لإسرائيل في مأزق يجب معرفة توظيفه من السلطة الفلسطينية في عملية التفاوض، ليس مع إسرائيل فقط، إنما مع راعي المفاوضات، الإدارة الأمريكية. نحن أمام مشهد سياسي وسريالي تقوم فيه إسرائيل "بتحد" للعالم وللدولة التي توفر لها الضمانات السياسية والأمنية بشكل مطلق. هذه سياسة مقامرة بإجماع الأكثرية المطلقة من المحللين السياسيين الإسرائيليين ومن قيادات سياسية إسرائيلية، خاصة قائدة المعارضة تسيفي ليفني، وقادة حزب العمل المشارك في الائتلاف الحكومي.إلى جانب أحزاب المعارضة الأخرى.. يجب رؤية أن ما يشغل نتنياهو الحفاظ على ائتلافه من الانهيار، صاما أذنيه عن الانتقاد العنيف الذي يوجه لموقف الحكومة غير الواضح والمتلعثم ، خاصة في عدم تلبية الطلب الأمريكي الذي يصر على وقف البناء في المستوطنات.
اللوبي اليهودي ينشط كما رأينا في تجنيد نواب من الكونغرس لإنقاذ بعض ماء الوجه لحكومة نتنياهو، عبر الطلب من الرئيس اوباما بالضغط على الفلسطينيين . ماذا تبقى للفلسطينيين ليمارس الضغط عليهم ؟
إن تجديد البناء الاستيطاني الآن مسألة غير مريحة لإسرائيل على الإطلاق. خاصة في وجود إجماع دولي بأن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير شرعي، وهذا موقف اقرب أصدقاء إسرائيل أيضا، ولا أعني الإدارة الأمريكية فقط، بل هناك شبه إجماع دولي.
والسؤال الأهم كيف يمكن الوصول إلى اتفاق حول دولتين لشعبين ، كما التزم رئيس الحكومة نتنياهو ، إذا كان عاجزا عن وقف البناء في المستوطنات؟ إلا يعلم رئيس الحكومة نتنياهو أن دولتين لشعبين تقتضي إخلاء عشرات المستوطنات ، وعشرات ألاف المنازل والأبنية المختلفة ، التي يجري البناء فيها اليوم؟!
إذا كان يعجز عن تجميد بناء بضع مئات من الشقق الجديدة ، كيف سيتمكن من إخلاء آلاف الشقق المبنية في الضفة الغربية ، وعشرات آلاف المستوطنين بعد عام ، إذا صدقت التوقعات ووصلت المفاوضات إلى نهاية مقبولة على الجانبين؟
إن أزمة تجديد البناء ، وعجز نتنياهو عن اتخاذ القرار الواضح ، يجعل الحديث عن استمرار المفاوضات ثرثرة لا تغطية لها على ارض الواقع.
هذا من جهة ، ومن الجهة الأخرى ، تصرفت القيادة الفلسطينية بحكمة عندما أجلت اتخاذ قرارا فوريا بوقف المفاوضات على أثر تجدد أعمال البناء في المستوطنات ، وبذلك ساعدت على تركيز الأضواء حول التعنت الإسرائيلي وكون الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن وضع حد لشهية الاستيطان ، وللانفلات العنصري الفاشي لسوائب المستوطنين في الضفة الغربية ، والأهم كشفت مدى مصداقية المحاور الإسرائيلي وصلاحياته في اتخاذ القرار ، وجعلته يقف عاريا أمام العالم حتى من ورقة التين. وبنفس الوقت أعطت مساحة واسعة جدا للجهود الأمريكية والدولية لاستمرار الضغط الدولي الشامل على إسرائيل حول موضوع الاستيطان غير المشروع أصلا ، والذي تتأكد عدم شرعيته وتتعمق في المواقف السياسية الدولية ، ويصبح حولها إجماعا دوليا غير مسبوق بهذه القوة السياسية والإعلامية ، التي تتصاعد مع عجز حكومة نتنياهو على مواجهة سوائب المستوطنين بالإعلان من جديد عن تجميد البناء .
من الواضح للجميع ، داخل إسرائيل وفي الولايات المتحدة ومختلف دول العالم ، أن القضايا الجوهرية المطروحة في المفاوضات أكثر تعقيدا بما لا يقاس من موضوع تجميد البناء في المستوطنات،وهذا يطرح أسئلة عديدة حول قدرة حكومة نتنياهو بتركيبتها اليمينية المتطرفة، على اتخاذ قرارات لا مفر منها لتنفيذ ما أعلنه نتنياهو نفسه عن حل دولتين لشعبين ؟!
حتى خارطة الطريق التي قبلتها السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تنص على تجميد البناء في المستوطنات وفك المستوطنات غير الشرعية ، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل بحجج مختلفة وبتغاضي الإدارات الأمريكية السابقة ، وعدم طرح الموضوع بصورته الواضحة أمام المجموعة الدولية. وإذا طرح الموضوع فليس بحدته وخطورته كما تبرز الآن ، وربما يجب أن نشكر نتنياهو على مساعدته الهامة والكبيرة في فضح التجاهل الإسرائيلي لما قبلته والتزمت حكومات إسرائيل رسميا ، ولكن لم تنفذه ولم تفكر بتنفيذه.وها هو يجعل هذا الموضوع الملح على رأس الاهتمام الدولي ، كخطوة أولى بديهية لإقامة دولتين لشعبين حسب مشروع نتنياهو نفسه وليس أي مشروع عربي أو أمريكي !!
أجل السياسة الفلسطينية العقلانية أنجزت خطوة بالغة الأهمية: إسرائيل ما بعد 26 أيلول، ليست هي إسرائيل ما قبل 26 أيلول.
الأيام القادمة ، حتى التاسع من تشرين أول – أكتوبر ، موعد انعقاد اجتماع لجنة المتابعة العربية ستشهد تصاعدا في الجهود الدولية والضغوط الدولية التي ستشكل حملة غير مسبوقة باتساعها وضغطها على إسرائيل ، وستلقي ظلالها على تطورات أزمة الشرق الأوسط وتطوراتها المستقبلية. ومهما كانت النتائج، القيادة الفلسطينية أنجزت أحدى أصعب المهمات السياسية: إسرائيل ما بعد 26 أيلول. ولن تكون هناك عودة إلى الخلف !!
الموقف الفلسطيني، كما عبر عنه الرئيس محمود عباس، كان صحيحا سياسيا، وبعيد الرؤية، وأنجز مكسبا دبلوماسيا هاما للقضية الفلسطينية، وجرد إسرائيل من الكثير من أوراق التين التي كانت تغطي عورات سياستها.
ورغم معرفتي من صعوبة رفض الطلب الأمريكي عربيا وفلسطينيا ، إلا أن الطريق مفتوحة للحصول على ضمانات فلسطينية من الراعي الأمريكي ، يجب أن لا تقل بأهميتها عن وعد بلفور التاريخي للحركة الصهيونية ، طبعا بمفاهيم والتزامات دولية تختلف ضمنيا عما كان سائدا زمن الإمبراطورية البريطانية العجوز . والضمانات لا بد أن تتمحور حول الحدود، والقدس وحل عادل لمشكلة اللاجئين.
إن الضغط من أطراف عربية بوقف فوري للمفاوضات، لن يخدم القضية الفلسطينية وآفاق التحرر من الاحتلال !!
لا بد من معرفة كيفية الاستفادة من أزمة الحكم في إسرائيل وتخبطه في مواجهة الإجماع العالمي!!
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق