السبت، 18 أبريل 2020


سليمان جبران في كتابه:
" على هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة ".
بقلم : نبيل عودة
الكتاب : هلى هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة
المؤلف : بروفسور سليمان جبران
اصدار : مجمع الللغة العربية – حيفا - 2009
يجري حول اللغة العربية حوار صاخب أحيانا ، بين العديد من المثقفين واللغويين ومختلف أصحاب الرأي . ويبدو ان هذا الحوار هو مميز للغة الضاد فقط ، ومع ذلك لا يشير ذلك الى اهمية غير عادية للغة الضاد ، بقدر ما يشير الى أزمة عميقة باتت تقلق المتعاملين مع اللغة ، بقصورها الفاضح في المجالات المختلفة ، وبالأساس المجالات العلمية والتقنية ، وأيضا في مجال الاستعمال الأدبي الإبداعي. وتبرز الأزمة بوزنها الكبير ، في هرب أصحاب اللغة من لغتهم الى لغات أجنبية للتعبير ، واشكاليات استيعاب الطلاب العرب للغتهم ، بل ونفورهم من اساليب تعليمها ومن التناقضات الكبيرة بين اللغة المحكية واللغة التي تسمى فصحى ، لدرجة ان تعريف الفصحى بات يشكل موضوعا للخلاف ، نتيجة دخول اساليب تعبيرية واصطلاحات وجملا متعارف عليها ، لا يمكن ان تخترفق أسوار الحواجز النحوية التي وضعها سيبوية قبل مئات كثيرة من السنين ، في مناخ ثقافي ولغوي مختلف وبات غريبا عن لساننا مفرداتنا وعن صياغاتنا وعن متطلباتنا اللغوية في هذا العصر الذي يشهد نقلة نوعية عاصفة في العلوم والتقنيات ، في اللغات واستعمالاتها، الا لغتنا العربية المسجونة داخل كهف يقف على ابوابه حراس اللغة بظن انهم يخدمون لغتهم ، وهم لا يستوعبون ان حراستهم تقود لغتنا الجميلة الى الموت السريري ، وقد تتحول الى لغة لا يتجاوز عدد المتحدثين فيها عدد المتحدثين اليوم باللغة الآرامية في العالم !!
الموضوع أشغلني منذ سنوات ليس كلغوي ، بل كمثقف وكاتب يعيش نبض اللغة التي تشكل سلاحه التعبيري ، وأداته الهامة للتواصل ، الأمر الذي وضعني بمواجهة اشكاليات لغوية تعبيرية في الحديث او الكتابة عن مواضيع تكنلوجية وعلمية وفلسفية ، لم أجد لها صيغة عربية ، ووجدت باللغة العبرية التي اتقنها بشكل جيد ، لا يرقى الى مستوى اتقاني للعربية بالطبع ، تعابير واصطلاحات سهلة واضحة ميسرة مفهومة ، وقابلة للإستعمال، بدون تعقيدات نحوية .
واشغلني سؤال ما زال مطروحا: بأي لغة عربية نكتب ؟
الفصحى القديمة أضحت لغة لا مجال لاستعمالها وفهمها من الأكثرية المطلقة لمن يعرفون أنفسهم كعرب. الفصحى الجديدة السهلة ، او لغة الصحافة كما يسميها البعض ، أيضا غير ميسرة لأوساط واسعة جدا من العرب..بسبب انتشار الأمية المريع الذي لا يقلق حراس اللغة بقدر قلقهم على مواصلة السجن القسري للغة في زنزانة نحو وضع لمناخ لغوي لم نعد نعيشه ، ومن المستحيل ان نعود اليه.
في كتاباتي دائما اتلقى نقدا لغويا حول استعمالاتي للغة. ومحاولات تصحيح لغتي ، وانا على قناعة تامة ان تمكني من التعبير بلغتي العربية ، متطور جدا ، ليس بسبب دراستي للغة ، بل نتيجة ممارستي وتجربتي الغنية قراءة وكتابة ، وأعترفت مرات عديدة اني لا أعرف قواعد اللغة ولا اريد ان أعرف اكثر مما اعرفه اليوم ، واذا كان لا بد من اصلاح فلغتي هي لغة معيارية عربية حديثة ، متطورة في تعابيرها ، وسهلة الفهم لأوساط واسعة ، وتحمل من جماليات التعبير والصياغة أكثر من كل نصوص المتقعرين ، الذي لا استطيع ان افهم نصوصهم أو أهضم ثقالة دم لغتهم !!
ربما أطلت في مقدمتي ، ولكني اندفعت اليها بحماس اثر قراءتي لكتاب شدني بلغته الجميلة وشروحاته المنفتحة الراقية ، حول اشكاليات لغتنا العربية صادر عن مجمع اللغة العربية في اسرائيل ، للبروفسور سليمان جبران ، الذي كان رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة تل أبيب ، قبل خروجه للتقاعد. يحمل الكتاب عنوانا دالا : "على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة "
افتتح سليمان جبران كتابه ببيتين من الشعرعن "الغيورين" على اللغة:
جاروا عليهــا زاعمين صلاحها
في نبذ طارقهــا وفي تقييدهـــــا
لم يفقهوا ان اللغــات حياتهــــــا
في بعث تالدها وفي ... تجديدها
وهناك مقدمة للدكتور عادل مصطفى ( باحث مصري في اللغة والعلوم والفلسفة ) يقول فيها: " العربية في أزمة ، يجفوها أهلها ، ويهجرها بنوها، ولا يكاد يتقنها سدنتها وأحبارها .
ان العربية على فراش المرض ، تعاني من تضخم في القواعد والأصول ، وفقر في المصطلح ، وعجز عن مواكبة الجديد ومجاراة العصر . الداء واضح للعيان ، ولم يعد بالامكان اخفاؤه . فبئس الدواء إنكار المرض، وبئس الحل إنكار المشكلة."
مقدمة الدكتور عادل تستعرض اشكاليات اللغة ، التي يعالجها البروفسور سليمان جبران في كتابه ، وتتطابق أفكاره تماما مع طروحات وشروحات سليمان جبران. وبدى لي متحمسا للكتاب وطرحه الذي يثبت ليس فقط معرفة سليمان جبران الكاملة باصول اللغة ونحوها ، انما معرفة موسوعية نادرة بكل ما عبرته اللغة العربية من تحولات وتطوير في القرن التاسع عشر ، خاصة منذ بدأ اللبناني فارس الشدياق : "رجل النهضة الأدبية الحديثة الأول " – كما وصفه مارون عبود ، وسائر النهضويين الرواد العرب أمثال المصري رافع الطهطاوي ، جهودهم العظيمة في احياء اللغة العربية التي قتلها التتريك والتخلف السائد في الأقطار العربية والذي كان لا بد ان ينعكس سلبا على واقع اللغة العربية ، وللأسف يبدو وكأن الزمن توقف ، وما زلنا نحاور من نفس المنطلقات ، وما زلنا نلوك نفس الحجج ..
قلت اني لست لغويا ، ومع ذلك قرأت بحث سليمان جبران اللغوي بشوق كبير ، أولا بسبب لغته الجميلة واسلوبه التعبيري الواضع ، وقدرته على التعامل مع الاشكاليات اللغوية المختلفة بتحليل وتفسير واستنتاج ، مبني على المعرفة الموسوعية ، وهو أمر سحرني به سليمان جبران ، لأني وجدت به أجوبة عن القضايا المطروحة اما م تطور مجتمعاتنا المدنية ، والذي يظن انه بنحو لغة قديمة خاضع للمرحلة التي نشط فيها سيبوية ، يمكن بناء مجتمع مدني علمي تقني حديث هو واهم . اللغة أداة للتواصل لا بد منها للعلوم والتقنيات والثقافة والفلسفة والمجتمع ، وليس للقداسة فقط.
من المواضيع التي يطرحها الكتاب: " لغتنا العربية : لا هي عاجزة ولا معجزة" – " متى نؤلف نحوا حديثا للغتنا العربية ؟ " – " دور الشدياق في تطوير اللغة العربية " – " العامية والفصحى مرة أخرى " – "الترادف غنى ام ثرثرة ؟ " – " تصحيح الصحيح " – "تجليات التجديد والتقييد " .
لغة سليمان تتميز بالإقتصاد في اللغة والابتعاد عن الفضفضة ، التي نواجهها في الكثير من النصوص. وكأني به الى جانب بحثه القيم يعطينا درسا ونموذجا في الصياغة الحديثة بدون فضفضة وترهل لا يضيف للمعنى شيئا ، وقناعته تقول اننا في عصر السرعة ولا يمكن الا ان نقتصد في الكلمات لنؤدي نفس المعنى.
ترددت في طرح نماذج لسبب اني شعرت بأني سانقل كل الكتاب للقارئ ، وهذا غير ممكن .
وأعتقد ان انتباه معلمي اللغة العربية لهذا الكتاب ، في كل مستويات التعليم ، خاصة الثانوي والجامعي ، واستعمال المداخلات والنماذج التي يطرحا سليمان جبران ، سيحدث ردة فعل ايجابية تقرب اللغة العربية لأبناء هذه اللغة ، وتفتح امامهم آفاق لغوية جمالية ستنعكس بشكل ايجابي على تقريب اللغة للطلاب العرب وتقريب الطلاب العرب من لغتهم وقدراتها التعبيرية والجمالية ، وفهمهم ان الاشكاليات التي يهربون منها ، هي وليدة واقع مريض ، وليس نتيجة لغة عاجزة ومعقدة.
nabiloudeh@gmail.com


" على هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة ".


سليمان جبران في كتابه:
" على هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة ".
بقلم : نبيل عودة
الكتاب : هلى هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة
المؤلف : بروفسور سليمان جبران
اصدار : مجمع الللغة العربية – حيفا - 2009
يجري حول اللغة العربية حوار صاخب أحيانا ، بين العديد من المثقفين واللغويين ومختلف أصحاب الرأي . ويبدو ان هذا الحوار هو مميز للغة الضاد فقط ، ومع ذلك لا يشير ذلك الى اهمية غير عادية للغة الضاد ، بقدر ما يشير الى أزمة عميقة باتت تقلق المتعاملين مع اللغة ، بقصورها الفاضح في المجالات المختلفة ، وبالأساس المجالات العلمية والتقنية ، وأيضا في مجال الاستعمال الأدبي الإبداعي. وتبرز الأزمة بوزنها الكبير ، في هرب أصحاب اللغة من لغتهم الى لغات أجنبية للتعبير ، واشكاليات استيعاب الطلاب العرب للغتهم ، بل ونفورهم من اساليب تعليمها ومن التناقضات الكبيرة بين اللغة المحكية واللغة التي تسمى فصحى ، لدرجة ان تعريف الفصحى بات يشكل موضوعا للخلاف ، نتيجة دخول اساليب تعبيرية واصطلاحات وجملا متعارف عليها ، لا يمكن ان تخترفق أسوار الحواجز النحوية التي وضعها سيبوية قبل مئات كثيرة من السنين ، في مناخ ثقافي ولغوي مختلف وبات غريبا عن لساننا مفرداتنا وعن صياغاتنا وعن متطلباتنا اللغوية في هذا العصر الذي يشهد نقلة نوعية عاصفة في العلوم والتقنيات ، في اللغات واستعمالاتها، الا لغتنا العربية المسجونة داخل كهف يقف على ابوابه حراس اللغة بظن انهم يخدمون لغتهم ، وهم لا يستوعبون ان حراستهم تقود لغتنا الجميلة الى الموت السريري ، وقد تتحول الى لغة لا يتجاوز عدد المتحدثين فيها عدد المتحدثين اليوم باللغة الآرامية في العالم !!
الموضوع أشغلني منذ سنوات ليس كلغوي ، بل كمثقف وكاتب يعيش نبض اللغة التي تشكل سلاحه التعبيري ، وأداته الهامة للتواصل ، الأمر الذي وضعني بمواجهة اشكاليات لغوية تعبيرية في الحديث او الكتابة عن مواضيع تكنلوجية وعلمية وفلسفية ، لم أجد لها صيغة عربية ، ووجدت باللغة العبرية التي اتقنها بشكل جيد ، لا يرقى الى مستوى اتقاني للعربية بالطبع ، تعابير واصطلاحات سهلة واضحة ميسرة مفهومة ، وقابلة للإستعمال، بدون تعقيدات نحوية .
واشغلني سؤال ما زال مطروحا: بأي لغة عربية نكتب ؟
الفصحى القديمة أضحت لغة لا مجال لاستعمالها وفهمها من الأكثرية المطلقة لمن يعرفون أنفسهم كعرب. الفصحى الجديدة السهلة ، او لغة الصحافة كما يسميها البعض ، أيضا غير ميسرة لأوساط واسعة جدا من العرب..بسبب انتشار الأمية المريع الذي لا يقلق حراس اللغة بقدر قلقهم على مواصلة السجن القسري للغة في زنزانة نحو وضع لمناخ لغوي لم نعد نعيشه ، ومن المستحيل ان نعود اليه.
في كتاباتي دائما اتلقى نقدا لغويا حول استعمالاتي للغة. ومحاولات تصحيح لغتي ، وانا على قناعة تامة ان تمكني من التعبير بلغتي العربية ، متطور جدا ، ليس بسبب دراستي للغة ، بل نتيجة ممارستي وتجربتي الغنية قراءة وكتابة ، وأعترفت مرات عديدة اني لا أعرف قواعد اللغة ولا اريد ان أعرف اكثر مما اعرفه اليوم ، واذا كان لا بد من اصلاح فلغتي هي لغة معيارية عربية حديثة ، متطورة في تعابيرها ، وسهلة الفهم لأوساط واسعة ، وتحمل من جماليات التعبير والصياغة أكثر من كل نصوص المتقعرين ، الذي لا استطيع ان افهم نصوصهم أو أهضم ثقالة دم لغتهم !!
ربما أطلت في مقدمتي ، ولكني اندفعت اليها بحماس اثر قراءتي لكتاب شدني بلغته الجميلة وشروحاته المنفتحة الراقية ، حول اشكاليات لغتنا العربية صادر عن مجمع اللغة العربية في اسرائيل ، للبروفسور سليمان جبران ، الذي كان رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة تل أبيب ، قبل خروجه للتقاعد. يحمل الكتاب عنوانا دالا : "على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة "
افتتح سليمان جبران كتابه ببيتين من الشعرعن "الغيورين" على اللغة:
جاروا عليهــا زاعمين صلاحها
في نبذ طارقهــا وفي تقييدهـــــا
لم يفقهوا ان اللغــات حياتهــــــا
في بعث تالدها وفي ... تجديدها
وهناك مقدمة للدكتور عادل مصطفى ( باحث مصري في اللغة والعلوم والفلسفة ) يقول فيها: " العربية في أزمة ، يجفوها أهلها ، ويهجرها بنوها، ولا يكاد يتقنها سدنتها وأحبارها .
ان العربية على فراش المرض ، تعاني من تضخم في القواعد والأصول ، وفقر في المصطلح ، وعجز عن مواكبة الجديد ومجاراة العصر . الداء واضح للعيان ، ولم يعد بالامكان اخفاؤه . فبئس الدواء إنكار المرض، وبئس الحل إنكار المشكلة."
مقدمة الدكتور عادل تستعرض اشكاليات اللغة ، التي يعالجها البروفسور سليمان جبران في كتابه ، وتتطابق أفكاره تماما مع طروحات وشروحات سليمان جبران. وبدى لي متحمسا للكتاب وطرحه الذي يثبت ليس فقط معرفة سليمان جبران الكاملة باصول اللغة ونحوها ، انما معرفة موسوعية نادرة بكل ما عبرته اللغة العربية من تحولات وتطوير في القرن التاسع عشر ، خاصة منذ بدأ اللبناني فارس الشدياق : "رجل النهضة الأدبية الحديثة الأول " – كما وصفه مارون عبود ، وسائر النهضويين الرواد العرب أمثال المصري رافع الطهطاوي ، جهودهم العظيمة في احياء اللغة العربية التي قتلها التتريك والتخلف السائد في الأقطار العربية والذي كان لا بد ان ينعكس سلبا على واقع اللغة العربية ، وللأسف يبدو وكأن الزمن توقف ، وما زلنا نحاور من نفس المنطلقات ، وما زلنا نلوك نفس الحجج ..
قلت اني لست لغويا ، ومع ذلك قرأت بحث سليمان جبران اللغوي بشوق كبير ، أولا بسبب لغته الجميلة واسلوبه التعبيري الواضع ، وقدرته على التعامل مع الاشكاليات اللغوية المختلفة بتحليل وتفسير واستنتاج ، مبني على المعرفة الموسوعية ، وهو أمر سحرني به سليمان جبران ، لأني وجدت به أجوبة عن القضايا المطروحة اما م تطور مجتمعاتنا المدنية ، والذي يظن انه بنحو لغة قديمة خاضع للمرحلة التي نشط فيها سيبوية ، يمكن بناء مجتمع مدني علمي تقني حديث هو واهم . اللغة أداة للتواصل لا بد منها للعلوم والتقنيات والثقافة والفلسفة والمجتمع ، وليس للقداسة فقط.
من المواضيع التي يطرحها الكتاب: " لغتنا العربية : لا هي عاجزة ولا معجزة" – " متى نؤلف نحوا حديثا للغتنا العربية ؟ " – " دور الشدياق في تطوير اللغة العربية " – " العامية والفصحى مرة أخرى " – "الترادف غنى ام ثرثرة ؟ " – " تصحيح الصحيح " – "تجليات التجديد والتقييد " .
لغة سليمان تتميز بالإقتصاد في اللغة والابتعاد عن الفضفضة ، التي نواجهها في الكثير من النصوص. وكأني به الى جانب بحثه القيم يعطينا درسا ونموذجا في الصياغة الحديثة بدون فضفضة وترهل لا يضيف للمعنى شيئا ، وقناعته تقول اننا في عصر السرعة ولا يمكن الا ان نقتصد في الكلمات لنؤدي نفس المعنى.
ترددت في طرح نماذج لسبب اني شعرت بأني سانقل كل الكتاب للقارئ ، وهذا غير ممكن .
وأعتقد ان انتباه معلمي اللغة العربية لهذا الكتاب ، في كل مستويات التعليم ، خاصة الثانوي والجامعي ، واستعمال المداخلات والنماذج التي يطرحا سليمان جبران ، سيحدث ردة فعل ايجابية تقرب اللغة العربية لأبناء هذه اللغة ، وتفتح امامهم آفاق لغوية جمالية ستنعكس بشكل ايجابي على تقريب اللغة للطلاب العرب وتقريب الطلاب العرب من لغتهم وقدراتها التعبيرية والجمالية ، وفهمهم ان الاشكاليات التي يهربون منها ، هي وليدة واقع مريض ، وليس نتيجة لغة عاجزة ومعقدة.
nabiloudeh@gmail.com

الخميس، 16 أبريل 2020


يوميات نصراوي: كفر برعم المُهجّرة: لوحة فلسطينية صغيرة!!
كيف صار قبر "ابو خلو" مقاما ل "الرابي الصديّق زولترا"؟!
نبيل عودة

اسرائيل تشترط ان يعترف بها الفلسطينيون "دولة يهودية"، الفكرة ليست جديدة الفرق انها انتقلت الى ارغام الضحية لإقرار بما ينفذ على ارض الواقع. هناك اشكال التهويد ألبدائية تحويل كل قبر او ضريح إسلامي في بلاد فلسطين الواسعة الى قبر له تاريخ يهودي. يبدو ان سياسة المقابر هي أافضل وسيلة لإثبات يهودية الدولة منذ ايام نوح. بالتأكيد وجد نوح يهوديا ويهودية أنقياء العرق ليواصلوا النسل ولم يعتمد على قدرة الله بإنقاذ شعبه من الطوفان. السؤال ألمحرج ماذا لو لم يبن نوح سفينته العملاقة وينقذ الأجناس التي عاشت على الأرض هل كانت الأرض ستظل قفرا بدون يهود وبدون فلسطينيين وبالتالي بدون ظاهرة "دفع الثمن" (بالعبرية: "תג מחיר")؟ وبماذا سينشغل زعماء العالم والأمم المتحدة بدون نتنياهو وليبرمان وسوائب المستوطنين؟! لماذا أنقذ نوح الجنس الفلسطيني بالتحديد والعربي عموما؟! هل كان ذلك من أجل ان يُذكر الله "شعبه ألمختار بقدرته دائما على عقابهم بالعرب والفلسطينيين؟!
بعد عام 48، عام الحرية والاستقلال في ارض بلا سكان لسكان بلا أرض الذي يسميه الفلسطينيون زورا واغتصاب بعام النكبة، تحولت عشرات ألقبور او ما يعرف بالمقامات الدينية (الاسلامية) الى مقامات وقبور اولياء صالحين من حاخامات الشعب المختار.
لن أروي تفاصيل سرقة القبور (المقامات) وتزوير تاريخها، وتحول الاولياء الشيوخ من محمد وحسين وعلي الى شمعون ويحزقيل وبن يعقوب.
كتب مؤرخون وباحثون يهودا وعربا الكثير من القصص المضحكة والمحزنة في نفس الوقت حول "تجارة القبور" التي وجدت لها سوقا دينية في اسرائيل. طبعا ليس بدون هدف سياسي وترويج روايات اسطورية غيبية ترعاها دولة اسرائيل العلمانية.
مقام الولي حسن او مقام الشيخ برهان او غيرهم، تحول الى مقام الرابي شمعون الصديق، او الرابي يحزقيل صاحب العجيبة، او الرابي بن يعقوب الشافي من الأمراض او غير ذلك من الأسماء والصفات الغريبة والعجيبة. فكر "قروسطي" مضحك ولكن وراءه اجهزة واسعة النفوذ في السلطة والحركة الصهيونية (عقل اوروبي تحول الى عقل حجري) باندماج حتى العلمانيين اليهود بجزء كبير من هذا التزوير التاريخي والديني، ان لم يكن بكلامهم فبصمتهم ألمريب!!
بالطبع بعد مصادرة الأرض، ومصادرة التاريخ، ومصادرة الأسماء العربية الفلسطينية او الكنعانية للمواقع والجبال والسهول والوديان والينابيع والبلدات وتهويدها وتغيير اسمائها، تصبح سرقة القبور وتهويدها دينيا من المسائل السهلة والبسيطة، أليسوا هم حكام البلاد بعد ان هزموا العرب مرة إثر اخرى حتى صارت بعض الدول العربية، بما فيها اكبرها واهمها، صديقة مستسلمة من فوق ومن تحت؟!
على المستوى الشخصي بإمكانهم ان يصادروا كل المقابر بما في ذلك القبور المسيحية وليس قبور الأولياء المسلمين فقط. لهم مطلق الحرية أن ينسبوها لمن يشاءون من الأسماء وان يطلقوا عليها الصفات الربانية والعجائبية ويبنون الخرافات كما يحلو لهم ليقضوا عمرهم في البكاء عليها والتمسح بحجارتها، والدعاء من الأموات ان تحل بركتهم على الأحياء لعلها أفضل من مليارات ما يخصص لهم من ميزانيات يحرم منها ليس العرب فقط، بل والكثير من اليهود انفسهم.
ما حدث في قرية  كفر برعم المهجرة هو استمرار للفكر "القروسطي" الايماني الغيبي... وكفر برعم لمن لا يعلم قرية مسيحية مارونية تجاور جبل الجرمق، ضمت كفر برعم عائلة واحدة تنتمي للطائفة الكاثوليكية (عائلة المطران شقور) والموارنة على العموم ينتمون للكاثوليك.
اليوم يعتصم اهل برعم في قريتهم مطالبين بتنفيذ قرار المحكمة العليا منذ سنوات الخمسين القاضي بإرجاعهم الى بلدتهم كما جرى الاتفاق مع الجيش الاسرائيلي الذي اخرجهم من برعم بالاتفاق معهم لأسبوع او اسبوعين عام 1948 ثم هدم القرية بالقصف الجوي وأعلنت الحكومة اراضي القرية منطقة عسكرية مغلقة لمنع عودة اهلها. توجه البراعمة لمحكمة العدل العليا الاسرائيلية التي اقرت حقهم بالعودة ولكن قوانين الأراضي الغريبة العجيبة في دولة اسرائيل وكثرتها وكأنها امبراطورية لا تغيب الشمس عن اراضيها، وقفت سدا مانعا ضد قرار محكمتها العليا. وهو درس ديمقراطي آمل ان يدرس في مدنيات اسرائيل وان تنشر تفاصيله على الملأ خاصة في الهيئات الدولية.
يعتصم اليوم العشرات من أهل برعم، من الجيل الذي هُجر حتى الجيل الذي ورث التهجير، في بلدتهم، معتصمون مصرون على البقاء في ارضهم وإعادة بناء كفر برعم بما تبقى لهم من ارض لم تصادر للكيبوتسات حولهم او حولت الى مراعي  لبقر الكيبوتسات.
وزير عدل سابق تساءل في وقته عن مصير ابقار الكيبوتسات التي ترعى في اراضي القرية "كيف ستحل مشكلة ايجاد مراع لهم اذا اعيد قسم من الأرض لأصحابها البراعمة؟!" رد عليه البرعمي ابراهيم عيسى (ابو الرايق):" هل البقر اهم من الإنسان؟ ارجعونا لقريتنا ونتعهد ان نشترى لهم العلف على حسابنا". فزعل الوزير الذي كان يعتبر من اليسار الاسرائيلي ومن تيار السلام مع الشعب الفلسطيني، ولكن ليس للسلام مع الفلسطينيين من اهل البلاد. لأن مراعي بقر الكيبوتسات أكثر أهمية من حقوق المواطن ألفلسطيني في "اسرائيل الديمقراطية" ، هذا كان قبل سنوات طويلة من قانون القومية العنصري الذي اسقط المواطنين العرب من حسابه!!
يقيم البراعمة المعتصمين في كفر برعم المهجرة في مبنى لم يهدم قرب الكنيسة التي لم تهدم هي أيضا، يرفضون مغادرة قريتهم رغم كل محاولات "الكيرن كاييمت" ان تفرض عليهم اخلاء اراضي بلدتهم. (الكيرن كاييمت -هي تنظيم صهيوني اسس عام 1901 كوسيلة لجمع الأموال من اليهود من اجل شراء اراضي العرب وتجهيزها لسكن اليهود).
"الكيرن كاييمت" ذهبت قبل سنوات قليلة الى المحكمة في صفد بطلب اخلاء برعم من المعتصمين، ولكن القاضي انصف البراعمة، رد دعوى "الكيرن كاييمت" بقوله كما نقل لي، ان المشكلة مع الدولة وليس مع "الكيرن كاييمت"، زان هناك قرار اصدرته المحكمة العليا لصالح اهل برعم فما دخل "الكيرن كاييمت" بالموضوع؟
رغم ذلك فرض كفالة 50 ألف شاقل على ابناء برعم المعتصمين كضمان لعدم قيامهم بإضافة أي بناء جديد أو اصلاح المباني شبه المهدمة وغرم "الكيرن كاييمت" بمصاريف المحكمة وأجرة المحامي الذي تبرع بالمبلغ لأهل برعم – اهله دعما لاعتصامهم!!
الآن الى سرقة القبور.
يبدو ان سرقة مقامات المسلمين انتهت، لم يعد ما يسرق... الآن الدور على مقابر المسيحيين.
روى امامي برعمي شاب انهم اكتشفوا بالصدفة وجود شبان متدينين يهود يقيمون مبنى على احد قبور اهل برعم، ويعرف باسم "قبر ابو خلو" ("ابو خلو" أي "ابو خليل" بلهجة البراعة وهي لهجة لبنانية، اذ كانت تعتبر برعم جزءا من لبنان). المضحك ان الشبان اليهود وضعوا لوحة فوق القبر تحمل اسم "الرابي الصديق زولترا".
في حديث مع ابراهيم عيسى (ابو الرايق) وهو بالمناسبة حاد الذاكرة عاش مأساة برعم منذ كان صبيا يافعا، يشارك بكل نشاطات البراعمة، اعاد بناء المقبرة وتوسيعها وإصلاح قبورها، الى جانب اصلاح الكنيسة، ساهم بإدخال الكهرباء للكنيسة وتنشيطها، اليوم تقام فيها الشعائر الدينية الأسبوعية بالإضافة لشعائر الأعياد، بل وبات البراعمة لا يزوجون ابنائهم ولا يعمدونهم إلا بكنيسة برعم، كذلك جند الشباب لتنظيف حارات برعم من بقايا الهدم الذي نفذته طائرات اسرائيل بعد قيام الدولة، ووضع لوحات بأسماء الحارات وعلق على بقايا المنازل أسماء أصحابها، عمليا هو تاريخ متحرك لقرية برعم رغم ال 70 سنة من المعاناة والتهجير والنضال ضد المُهجرين، يعتبر للكثيرين من الزوار مرجع برعمي للتاريخ والنضال الطويل المتواصل للعودة الى برعم. سألته عن "ابو خلو" قال لي ان القبر لشخص برعمي اسمه ابراهيم انطون خليل (ابو خلو) وانه مات منذ أكثر من 80 سنة، أي قبل قيام دولة إسرائيل، وحسب ذاكرة ابراهيم عيسى قد يكون القبر لوالد السيد ابراهيم ألذي مات قبل ابنه بسنوات كثيرة أي أكثر منذ مائة عام!!
شبان برعم سألوا الشباب اليهود الذين استولوا على قبر ابو خلو: ماذا تفعلون بقبر ابو خلو ولماذا هدمتم شاهد القبر حيث نقش الصليب؟ الا تعلمون انه قبر لمواطن من برعم مات قبل 100 سنة واسمه ابو خلو، وهو الاسم الذي اشتهر به القبر والمكان، لأنه لم يدفن في المقبرة، بل دفن حسب وصيته في بيارة تين كان يملكها ؟!
ردوا بدون تلعثم انه بئر وليس قبرا، وانه دفن حسب "سجلاتهم" (سماوية؟؟؟) في هذا البئر الراب الصديّق زولترا!!
قال ابراهيم عيسى (ابو الرايق) انا نشلت من هذا البئر الماء في صغري، كنا ننشل الماء لنسقي ألطرش فكيف صار قبرا او مقاما دينيا للرابي زولترا؟ البئر ليس قبرا، القبر معالمه واضحة قرب البئر، اصلا لم يكن أي يهودي يسكن في هذه المنطقة، وبئر الماء كما يقول ابو الرايق هو لدار عيسى العبود، قربه توجد حفرة في صخرة بعمق متر ونصف المتر، ويقول عجوز آخر ان المقبرة كانت قرب البئر ولكنها نقلت قبل 80 سنة الى خارج القرية حيث هي اليوم، تبعد حوالي 3 كيلومتر عن منازل كفر برعم المهدمة. آخرين يقولون انه لا يوجد قبر لأبو خلو انما مقبرة كانت ضمن حدود البلدة قبل ان تُنقل، لكن أكثرية كبار السن يؤكدون انه قبر ابراهيم انطوان خليل (ابو خلو-ابو خليل) وظل بارزا لأنه دفن في بيارة تين كان يملكها، لذلك اكتسب شهرة خاصة.
يقول ابو الرايق ان هناك مبنى روماني قديم، حاولوا بعد التهجير ان يدعوا انه كنيس يهودي، ليزوروا تاريخ برعم ويجعلوها يهودية، لكن الحاخامات اليهود من مدينة صفد القريبة رفضوا موقف السلطة ليس لحسن نيتهم بل بسبب وجود اكليل الغار الروماني الذي كان يتوج المدخل (وهو شعار روماني معروف) وقالوا بوضوح انه مبنى تاريخي روماني وليس كنيسا يهوديا ... خاصة وان ما قيل انه الهيكل داخل الكنيس لم يكن بالاتجاه الصحيح نحو القدس. وهو أمر ديني يهودي.
يقول ابو الرايق ان المحتلين اقتلعوا من باب مدخل المبنى الروماني الحجر الذي نقش عليه اكليل الغار الروماني لإخفاء حقيقة المبنى، وكلما حضر سياح اجانب لا يعرفون شرقهم من غربهم يدعي دليل السياح امامهم ان المبنى هو هيكل يهودي... ربما هي تغطية لمنظر القرية العربية المهدمة التي "احتلت" ارضا يهودية... لذلك عوقب اهلها بالتهجير وهدمت لمنع عودتهم لأرض وعد بها الله شعبه المختار!!
بقيت كلمات قليلة: من سيقنع الشباب اليهود ان ابو خلو سيظل برعميا اصيلا حتى لو سموه الرابي الصديق زولترا؟!
nabiloudeh@gmail.com

الجمعة، 3 أبريل 2020

عجيبة بيت أبو بشارة


                               عجيبة بيت أبو بشارة
نبيل عودة

عجيبة، يا أم بشارة.. استيقظي.. القديسة العذراء الممتلئة بالنعمة… بارك الله اسمها… باركت بيتنا. استيقظي يا أم بشارة.. !!
انطلق صوت أبو بشارة من المفاجأة غير المتوقعة، لم يصدق ما تراه عينيه واخذ يردد مبتهلا:
مريم العذراء يا اُمي الحنونة، كم من مرةٍ اخطأتُ وتُسامحيني وكم من مرةٍ ابتعدتُ عنكِ وعندما أعودُ بكُلِ شوقٍ تستقبليني. لم يُسمع قط ان احداً التجأ إلى حمايتِك وطلب معونتكِ ورُدّ خائباً.
كان ينظر الى تمثال السيدة العذراء، المثبت في زاوية احد عمدان البيت، غير مصدق لما تراه عينيه من زيت يرطب قاعدته، في البداية لامس السائل بأصابعه، خفض رأسه ليتأكد بالشم أيضا من نوع الزيت الذي يرطب قاعدة تمثال السيدة العذراء التي اختارها الله لتلد ابنه المخلص، هو زيت الزيتون المقدس حقا، ويمتد من قاعدة التمثال حتى نصف متر على الأقل تحت القاعدة حيث وضع تمثال السيدة العذراء داخل حفرة شقت خصيصا منذ أيام والده ليوضع فيها تمثال العذراء المكرمة.
كان الزيت يسيل ببطء شديد.. تأكد هذا حين جفف قاعدة التمثال بفوطة خوفا من ان يكون ما يراه خدعة بصرية.
هو حقا زيت الزيتون المبارك كنسيا، تأكد له هذا الأمر باللمس والشم وأيضا بتذوقه لأطراف أصابعه.
ارتعشت قسمات وجهه، بانت السعادة على محياه من هذه المفاجأة في هذا الصباح الربيعي المشرق. كان متأكدا أن دعواته وصلواته هو وأهل البيت قد وجدت آذان صاغية وها هي الإشارة تجيء في هذا الفجر الزاهي، دليلا ان الله يرعاه ويرعى أهل بيته، لأن الله يعرف ما في القلوب والضمائر ولا تخدعه المظاهر، ها هو التأكيد يجيء من حيث لم يتوقع بابلغ شكل واقوى صورة، زيت الزيتون المقدس يرشح من تحت تمثال السيدة العذراء ويرطب قاعدته وعمود البيت حيث حُفرت زاوية العامود المقابل لمدخل البيت، ليتسع للسيدة أم المسيح ابن الله ليتبارك اسمها واسمه واسم الرب، تماما في مواجهة كل من يدخل بيت أبو بشارة.
لا يذكر إذا كان قد كرر ندائه لأم بشارة أكثر من مرة، فقد أيقظ انفعال صوته مما يرى والمرتعش من المفاجأة أهل البيت، فتجمعوا في الديوان الرحب، متثائبين من إيقاظهم ساعتين قبل الوقت، ومتوجسين من أمر غير مرغوب، لا يدركون كنهه قد يكون ألم بأب البيت، فهم لم يستوعبوا من صوته المتهدج إلا أنه حدث ما يثير التوجس من مكروه، أو مفاجأة لا يعلمون وقعها، جعلت أب البيت الذي يستيقظ قبل الجميع بساعتين على الأقل يطلق صوته المنفعل في ساعات مبكرة من ذلك الفجر الزاهي.
لم تمض إلا ثوان قليلة، حتى أصابهم ما أصاب أب البيت وعمدته من المفاجأة السارة لمشاهدة السيدة العذراء تبارك بيتهم بزيت الزيتون المقدس وهي علامة لاستجابة الرب لأبنائه المخلصين كما كان يقول بتهدج وتوتر من السعادة، عمدة العائلة أبو بشارة.
نساء الحارة هن اول من عرف بخبر العجيبة والنساء لمن لا يعلم، أفضل جهاز إعلامي عرفته البشرية. في ذلك الصباح أسرعت ام بشارة تدعوا جاراتها لتناول قهوة الصباح ورؤية عجيبة العذراء في بيتها، جئن بشيء من الاستهجان، فزمن العجائب قد ولى ولكن ما شاهدنه بالعين ملأهم برهبة الإيمان وخشوعه، فتمتمن بشكل جماعي صلاة “السلام عليك يا مريم”، وتباركن بقطع قطن مبللة بالزيت المريمي دليل قاطع لمكرمة العذراء لبيت ابو بشارة، وتيمنا وأملا بان قطعة القطن بما تحمله من زيت مريمي قداسته مؤكدة، هي أفضل مباركة للمنازل والأهل وكل من تطوله مسحة من زيتها.
كادت أم بشارة تفقد توازنها وهي تحدث نسوان الحارة عن العجيبة ومعناها والتي اختصهم بها الله، قالت كلاما عاقلا وكلام لا يدخل العقل ويصنف في ظروف أخرى “بكلام مجانين”، لكنها العجيبة التي أغلقت كل مسارات التفكير العاقل.. من شدة مفاجأتها وإثباتها بالرؤية واللمس والتذوق لمن أراد مزيدا من الإثبات العملي.. ها هن نساء الحارة قد شلت المفاجأة السنتهن، فلم يتحدثن عن فلانة التي خطفت وابنة فلان التي لم تترك شاب من شرها وزوجة فلان “المشلطة” وابو جعفر، الله يستر، الذي يصرف ما يربح على بنات الشوارع في المدينة المجاورة.. وقصص لا يعلم الا الله مصدرها وصحتها.
الزيت المقدس يزداد ببطء شديد تحت قاعدة تمثال العذراء، وهو زيت فاخر مثل الزيت الذي يستعمل في الكنيسة في جميع المناسبات الدينية. زيت تثبت رائحته وطعمه انه من النوع الفاخر جدا مثل زيت كرم زيتونات أبو بشارة المعروف بجودة زيته. كل الدلائل العملية تبرهن إنها حقا عجيبة وإشارة سماوية إلى رعاية العذراء لأهل بيته، اعترافا بإيمانهم الطاهر وطاعتهم لتعاليم المسيح. كان قد شفي ابنه من مرض خبيث يقال أن عدد من يشفيهم الطب من ذلك المرض الملعون لا يتجاوزون ربع المرضى… وأن صلاتهم للعذراء والمسيح والإله في علاه قد استجيبت وها هي الإشارة الحاسمة تجيء دون توقع في فجر ذلك اليوم الربيعي.
نساء الحارة تباركن بقطع قطن رطبنها بالزيت الذي يرطب قاعدة التمثال، وكان هذا برهانا لا يمكن نقضه، يعتمد علية كمصدر إخباري موثوق لحقيقة العجيبة التي اختص الله بها جارتهم وحارتهم وأضحى شعورا بالفخر لكل أهل الحارة.
بدأت عملية انتشار تفاصيل العجيبة بطريقة تعجز عنها حتى الدعاية الصهيونية والإمبريالية التي تسيطر على وسائل الإعلام العالمية، كما قال احد كفار البلد الذي يسكن لحظهم السيئ بجوارهم ويلقب ب “سمير الكافر” حيث يدعي في كل مناسبة ان الصلاة هي مضيعة للوقت ولا تخدم مطالب السكان من السلطات المسئولة، بل تخدعهم بأوهام ان الفرج سيأتي من السماء، السماء كما يقول سمير الكافر، هي خدعة بصرية تفوقت على المنطق مما يضر بالوعي الاجتماعي وتنمي الخيالات والخرافات، قال كلمات من الصعب استيعابها زادت من الشك باتزانه العقلي، لكن من أين لكافر مثل سمير ان يغير حقيقة الإيمان ورعاية الله لأبنائه المؤمنين؟ لعله الآن أمام هذه العجيبة المؤكدة سيلزم الصمت الى الأبد!!
أصبح حديث العجيبة حديث البلد الوحيد، بدأت تفاصيل العجيبة المثيرة تصل للبلدات المجاورة، بل ويشاع أنه تتوارد اتصالات تلفونية من خارج البلاد على الأقارب في البلد تستفسر حقيقة الخبر وترجو تزويدها بالمعلومات الصحيحة، لانه إذا ثبت خبر العجيبة سيأخذون أول طائرة متاحة للوصول إلى البلاد وزيارة بيت أبو بشارة ليتباركوا بزيت العذراء المقدس، ان مصدر معلوماتهم يعتمد على ما بثته رويترز والبي بي سي وتلفزيون الجزيرة ووكالة الأنباء الفرنسية وغيرها من وسائل الإعلام الكبيرة. بعض وكالات الأنباء وشبكات التلفزيون أرسلت طواقم من المراسلين والمصورين لتسجيل عجيبة العذراء في بيت أبو بشارة المبارك من السماء.
اثار نشر وسائل الإعلام لخبر أولي عن عجيبة العذراء في بيت أبو بشارة اعتمادا علي مصادر موثوقة تستند بالتأكيد على روايات نساء الحارة الحاصلات على قطع قطن رطبت بزيت العذراء المبارك، قبل الوصول لبيت أبو بشارة والتأكد الشخصي من العجيبة، “هيصة” كبيرة قلبت كل الحياة الرتيبة في البلد والبلدات المجاورة.
كثرت الاتصالات التلفونية ذلك الصباح سببت ضغطا على شركات التلفونات، نشأ خوف حقيقي من انهيار شبكة الاتصالات التلفونية. غرق البريد الالكتروني لوسائل الإعلام بكم هائل من الاتصالات والمراسلات تستفسر عن حقيقة الحدث، فنشروا إعلانات تطلب من المتصلين التريث ومتابعة الأخبار على شبكاتهم التلفزيونية او مواقعهم على الشبكة العنكبوتية وأن طواقمهم تعمل جاهدة للوصول إلى مكان الحدث لتغطيته ونقل التفاصيل الكاملة للمشاهدين.
الازدحام في شارع الحارة حيث منزل أبو بشارة فاق التصور، امتد الازدحام الى الشوارع المحاذية، بل والبعيدة، بل شوارع البلد كلها ازدحمت وأصيبت حركة السير بانسداد في الشرايين. البعض يقول انه سمع في نشرة أخبار الساعة الثامنة أن الشرطة طلبت من المواطنين عدم الدخول الى البلدة بسياراتهم، وانها اتفقت مع شركات الباصات لزيادة عدد الباصات التي تدخل الى البلد، حيث لا يمكن إيجاد مكان حتى لربط حمار في هذا الازدحام غير المتوقع.
في تمام الساعة السادسة صباحا أُبلغ خوري الطائفة على وجه السرعة عن العجيبة في بيت أبو بشارة، فلم يكترث للأمر في البداية، لكن الشماس أبلغه أن المسالة حركت البلد كلها والمئات من كل الطوائف يتدفقون على الحارة، بعض رجال الطائفة المحترمين تحققوا من الموضوع وأبلغوه بضرورة زيارة بيت أبو بشارة ليتأكد بحكمته ان الموضوع رباني حقا. صحيح ان النساء لسن مصدرا موثوقا للمعلومات ولكن الرجال في الحارة أيضا يؤكدون صحة أخبار نساءهم ولأول مرة يتفق الجانبان بدون نقر ونقير على رواية واحدة، بل وتحول الحدث إلى خبر دولي تتناقله وسائل الإعلام العربية والأجنبية وانه ليس دعاية صهيونية إمبريالية معادية للعرب أو خبر انتصار وهمي لنظام عربي على العدوان الصهيوني. حتى راديو إسرائيل أذاع الخبر بدون إضافة أو تزوير مدعيا ان هذه العجيبة هي انجاز للديمقراطية الإسرائيلية وتنفيذا لوعود الحكومة في المساواة بين المواطنين العرب واليهود!!
سارع الخوري امام هذه الحقائق الواضحة، بعد ان أيقن من صحة ما نقله إليه الشماس، إلى ارتداء ملابسه الكهنوتية والتوجه لبيت أبو بشارة، أصابته الدهشة وهو في الطريق من هذا العدد الهائل من الناس أمام البيت وعلى مدخل الحارة وشل حركة السير التي أغلقت الشوارع بالوقوف العشوائي.
أفسحوا الطريق للخوري، فهرول شاعرا بأنه أمام حدث عظيم وان الجميع ينتظر تأكيد حدوث العجيبة من مصدر روحاني موثوق، ان الله خصه بدور بالغ الأهمية قد يساهم في ترقيته من خوري بلدة صغيرة إلى مطران كبير الأهمية في إحدى المدن الكبيرة.
كل ما استطاع الخوري ان يقوم به أمام تمثال العذراء المبللة قاعدته بالزيت المقدس، انه التقط قطعة قطن صغيرة رطبها بزيت العذراء، شمها مرتين أو أكثر، مسح بها كفة يده، وشم كفة يده، وأشرق وجهه بابتسامة كبيرة، “صلب” (اشار بعلامة الصليب) على وجهه ثلاثة مرات وبدون مقدمات بدأ بصلاة قداس بارك فيها العذراء والسيد المسيح وأبيه الذي في السموات وبيت أبو بشارة، الأمر الذي اعتبر بمثابة اقرار رسمي من الكنيسة لحقيقة العجيبة وأهميتها المقدسة.
نظم أبو بشارة وأولاده الدخول إلى البيت للتبارك بزيت العذراء، وفروا المئات من قطع القطن الصغيرة وصندوق لوضع التبرعات كما أمر الخوري من أجل إقامة احتفال كبير يحضره سيادة البطريرك، ربما يتحمس الحبر الأعظم بابا الفاتيكان للحضور والوقوف على العجيبة بنفسه، حيث أن هدف الاحتفال كما شرح الخوري، تكريم السيدة العذراء على إشارتها الواضحة انها لا تهمل المؤمنين الذين ضحى ابنها بحياته من أجلهم وإنها راعيتهم وشفيعتهم عند الله.
الصحف وصفت ما يجري بأنه أشبه بهزة أرضية من العيار الثقيل، وانه لو عاد ريختر الى الحياة لأضاف الى سلمه خمس درجات جديدة لتلائم الهزة الإنسانية الهائلة التي سببتها عجيبة الزيت في بيت ابو بشارة.
امتلأت المتاجر بالزبائن الراغبين بشراء تماثيل العذراء، أو تماثيل العذراء وابنها المخلص يسوع المسيح، أو صورا مقدسة، لنصبها في بيوتهم تيمنا بما حدث في بيت أبو بشارة، بل والكثيرين توجهوا الى الكنيسة ليبارك الخوري ما اشتروه من تماثيل وصور، ضمانا للطهارة والقداسة. يمكن القول ان تماثيل العذراء أصبحت أهم تجارة لمدة عدة أشهر، فاستوردت تماثيل العذراء من الصين الشيوعية البوذية الكافرة بواسطة تجار يهود لأن سعر الانتاج في الصين أرخص اربع مرات من التماثيل المصنوعة في ايطاليا المسيحية، ملأوا بها السوق ولكن بأسعار تزيد عشرة أضعاف على الأقل عن تكلفة استيرادها وتوزيعها في المحلات التجارية. بعض الفنانين العرب واليهود استغلوا الموقف ورسموا العذراء، طبعوا رسوماتهم وربحوا أضعافا مضاعفة عن أي لوحة فنية باعوها سابقا.
ابن أبو بشارة البكر ابتكر فكرة عبقرية، منع المراسلين من التقاط الصور داخل البيت، قام هو نفسه بالتقاط صور ملونة للعذراء بالكاميرا البيتية والزيت واضح حول القاعدة وتحت القاعدة وهي أهم وثيقة عن العجيبة، طبع منها آلاف النسخ بحجم كبير، كرر الطباعة مرات عدة وبرر ذلك بالحفاظ على كرامة العذراء من المصورين التجاريين حيث بيعت الصور بأثمان تكفل له ولكل أفراد العائلة جولة حول العالم في أفخر القوارب البحرية.. وهذا مكرمة من السيدة العذراء بدون ادنى شك.
الآف دخلوا لتلقي البركة والحصول على قطع قطن مبللة بزيت العذراء وتبرعوا بالمال والذهب.
انتشرت أخبار عن شفاء العديد من المرضى بعد مسح جبينهم بقطنة الزيت، مما شجع المترددين من زيارة التمثال والتبرك بزيته، والحصول على قطعة قطن مبلولة بالزيت المقدس ولسان حالهم يقول: ”اذا لا تفيد لا تضر”.
امتلأ الصندوق أمام العذراء بالأموال وحلي الذهب، أُفرغ عدة مرات، همس بشارة الابن البكر لوالده انهم هم أجدر من الخوري بما يتبرع به الناس، لأن العجيبة حصلت في بيتهم وليس في بيت الخوري أو في الكنيسة. هذا شأن رباني نحن لا ندركه، ان طرق الله غير معروفة لنا نحن البشر، ويجب عدم “التفريط” بما يصل للعذراء من تبرعات، ان الكنيسة ليست فقيرة ليزيدوها غناء على غناء. وان ما طلبه الخوري، رغم قداسته واحترامه، كان متسرعا بسبب المفاجأة، وانهم هم أهل البيت الذي خصه الله بعجيبة العذراء، على استعداد لتبني الاحتفال ومصروفاته. كما كرمتهم العذراء فهم يكرمونها بأفضل قداس وأفضل احتفال.
الح أحد الأبناء على الحصول على مبلغ ليجدد سيارته. ولكن والده أشار عليه بالتمهل، إذا ليس من المناسب الآن والآلاف من عامة الناس ورجال الدين الأفاضل يتدفقون على البيت، والحكاية ما تزال في أوجها، ان يستغلوا التبرعات التي توهب للسيدة العذراء لأمورهم الشخصية، وأن الصبر مفيد في هذه الحالة.
الحكايات التي انتشرت بان قطعة القطن المبللة بزيت العذراء المقدس وهبت الشفاء لمرضى عجز الأطباء والمستشفيات عن علاجهم، وما قامت به بعض الصحف والمواقع الالكترونية، بنشر صور عشرات الأشخاص الذين يؤكدون ان قطنة الزيت شفتهم من امراض صعبة، بل وروى البعض حكاياتهم مع إمراضهم العصية وعن الشفاء، وكيف اختفى المرض بعد مسح جبينهم بالزيت المريمي المقدس، كل هذا أحدث تدفقا لزيارة بيت أبو بشارة وعذرائه التي لا يجف زيتها، بل وفي بعض الأحاديث ان التبرع للعذراء واجب من أجل ضمان الشفاء، لأن الذي لا يتبرع لا يشفى مريضه. فتكررت زيارات الكثيرين من الزوار ليتبرعوا وللحصول على قطعة قطن تساعد في شفاء أعزائهم.
كل ليلة كان أبو بشارة، بعد ان يستأذن العذراء، يفرغ الصندوق من الأموال وقطع الذهب والفضة وغير ذلك من الأحجار الكريمة. وقد قر رأيه ان لا يعطي الخوري أي شيء. امتعض الخوري، ولكنه لم يتفوه بأي كلمة. ويبدو، حسب معلومات غير مؤكدة، ان الخوري بدأ بحملة مضادة لإقناع الناس ان وراء حكاية العذراء والزيت سر لم يكشف بعد. “تمهلوا ولا تصدقوا الشائعات عن الشفاء من الأمراض فلا شيء مثبت”، كان يهمس للمقربين له.
مضت أيام وخف القادمون للتبرك بزيت العذراء المقدس. بدأت الحياة تعود الى مسارها السابق، رغم ان الزيارات للعذراء لم تتوقف.
لكن، المجد لله في علاه، الزيت لا يتوقف، بل انتشر حول قاعدة التمثال ومن جانبيه بلا توقف وامتد نحو الأرض، وهو عمود لعقد قديم واسع مقسم إلى عدة غرف، والعمود نفسه مليء بالتراب الذي لا يرتوي بسهوله ويكاد يكون متر ونصف المتر عمقه من كل جانب. والعقد لارتفاعه الكبير، أقيمت فيه علية حيث تخزن مؤونة البيت، وفي وقتنا لم يعد استعمال للعلية لتخزين مؤونة البيت كما كان الحال ايام زمان، وأصبحت العلية مخزنا لكل ما لا يستعمل يوميا. هناك درج خشبي، ملاصقا لحائط العقد يقود إلى العلية الواسعة، التي لا ينفك ابنهم الأصغر يطالبهم بتحويل قسم منها إلى غرفة نوم، وفتح نافذة خاصة للغرفة، ولكن الحال لم تكن جيدة، لهذا المشروع، وها هو ابنهم يعود، بعد ان غيرت العجيبة حالتهم المادية، ويصر أن يستقل بغرفة على قسم من علية العقد الواسعة.
انشغل أهل البيت كل في مشاريعه. والأب يحذرهم: “لا تنسوا السيدة العذراء. هذا خيرها الذي نزل علينا”.
حكاية العجيبة أضحت أمرا عاديا. ما عدا سمير الكافر لا يجرؤ أحد على التشكيك بحقيقتها.
كلما سؤل أبو بشارة في نادي المتقاعدين عن آخر أخبار العذراء والزيت يتحدث بفخر ان الزيت لا يتوقف بل يزداد تدفقا، وانه عندما جدد دهان البيت، لم يدهن العمود بل حافظ عليه كما هو، لأنها مشيئة العذراء كرم الله وجهها. وانه بلل الكثير من الفوط بالزيت الذي بدأ يسح على الأرض ايضا، ويحتفظ بالفوط بمكان نظيف لأنها مبللة بالزيت المقدس، وان البعض يأتي لشرائها، خاصة السياح الأجانب الذين سمعوا عن عجيبة عذراء بيته، ولكن السعر الذي يطلبه لا يشجع ابناء البلد على شراء تلك الفوط. وان السياح لا يجادلون بالسعر. وان سعر الفوطة مع الصورة الملونة للعذراء تكفي وجبة غذاء لأهل البيت في مطعم فاخر!!
لم يعرف احد ان الوقت يخبئ لهم مفاجأة أغرب من الخيال.
أم بشارة صعدت للعلية لأخذ حاجتها من زيت الزيتون، من خابية (الخابية هي جرة كبيرة تتسع لأكثر من 50 – 80 لتر من الزيت كانت تستعمل في البيوت الفلسطينية القديمة لتحزين الزيت وما زالت بعض البيوت تستعملها).
فوجئت ام بشارة ان الخابية فارغة حتى النصف:
أبو بشارة.. الخابية فارغة تقريبا!!
يا امرأة انا عباتها بأربعة “تنكات” حتى العنق.. لم نستعمل بعد الا نصف تنكة؟
انها نصف فارغة.. أين ذهب الزيت؟
الله يستر.. ربما لا ترين جيدا.. مدي يدك.
إنا في كامل قواي العقلية، لا تجعلني مجنونة وعمياء. لا أرى زيتا إلا في القاع.
هل سرق زيتنا؟ هل يجوز ان ما ظهر تحت تمثال العذراء هو زيتنا؟
تحسست أم بشارة الجرة فوجدت سطحا كبيرا في مكان منخفض رطبا بالزيت. وعلى أرضية العلية بقعة زيت كبيرة تماما فوق العمود الذي وضعت في داخل حفرة فيه تمثال السيدة العذراء. احتارت هل تضحك أم تبكي على ضياع مخزون الزيت.
كشفت سر زيت العذراء يا أبو بشارة.
ما هذا الخرف يا امرأة؟
الجرة “مسطوحة” والزيت يتسرب منها ببطء إلى عمود البيت، والنقطة التي حفرت للتمثال داخل العمود، خرج منها الزيت.
إذن زيت العذراء هو زيت خابيتنا؟
تجمع الأولاد على صوت والديهما يتداولان المصيبة. قال الابن البكر مبتسما:
ممنوع ان يصل هذا الكلام للناس. هل فهمتم؟ سنتهم ان فعلتنا بزيت العذراء مقصودة.
بعد تفكير قصير أثنى أبو بشارة على كلام ابنه، وأضاف:
لا تظنوا ان الجرة فرغت من الزيت بالصدفة، انها مشيئة الله، هل تطنون ان الله ينتج زيتا ليقدس المؤمنين به؟ هذا لا يغير شيئا من حقيقة العجيبة. لو شاء الله لفاضت الجرة وأغرقت ارض البيت.. ولكن حكمته أن يصل الزيت لتمثال العذراء. القصد الإلهي هنا واضح. انعم علينا بالعجيبة وحسن أوضاعنا استجابة لصلواتنا، فليكن اسمه مباركا!!
nabiloudeh@gmail.com